الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

دراسة تحذر: إيران أمام خطر انعدام الأمن المائي

دراسة تحذر: إيران أمام خطر انعدام الأمن المائي

عائلة تجلس في موقع نهر «كرج» الذي جف بمحافظة البرز بإيران. (epa)

تزايد حدة التظاهرات بمختلف المدن الإيرانية احتجاجاً على ندرة المياه

التركيز على زراعات تستهلك كميات هائلة من المياه.. ودمرت نظام قنوات المياه

تزايد النزوح من الريف إلى المدن.. والقوانين أفسحت المجال أمام إساءة استعمالها

متوسط مياه الأمطار 250 ملم سنوياً.. أي ثلث المتوسط العالمي وأغلبها تتبخر

حذرت دراسة مهمة، نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، من أن إيران تواجه منذ عقود، أزمة نقص المياه في البلاد، ما تسبب في حدوث اضطرابات اجتماعية قد تتفاقم مع استمرار المشكلة، موضحة أن السياسات الحكومية الإيرانية فشلت في معالجة أزمة المياه، والتي فاقمها النمو السكاني والتغيرات المناخية.وأكدت الدراسة، أن حكومات إيران المتعاقبة، سواء في فترة حكم الشاه أو ما بعد الثورة، لم تُعِر هذا التهديد الوجودي الانتباه اللازم، بل إنها اتبعت سياسة كانت لها نتائج عكسية في ما يتعلق باستراتيجية المياه، كما أن الاحتباس الحراري والنمو السكاني يضيفان عبئاً على توفير المياه، ويتسببان في اضطرابات اجتماعية، حيث شهدت إيران تظاهرات عديدة في مختلف مدنها، احتجاجاً على ندرة المياه، وهو تطور سيزداد حدة وسيشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومة والمجتمع في إيران.وتطرق التقرير إلى حقبة الشاه، مؤكداً أن الحكومة الإيرانية ركزت على زراعات تستهلك كميات هائلة من المياه، ماتسبب في تدمير نظام قنوات المياه الذي كان فعالاً منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى حدوث عبء كبير على المراكز الحضرية بسبب النزوح، وبعد فترة الشاه، منحت الحكومات الأولوية لاستخراج المياه بأقصى طاقة ممكنة، بدلاً من ترشيد استهلاكها.

سوء استهلاك المياه

وحمل التقرير القوانين التي مررتها الحكومات الإيرانية، متهماً إياها بإفساح المجال أمام الإفراط في استخراج المياه وإساءة استعمالها، فاستعمال حقوق المياه الجوفية يخضع لقانون ملكية الأراضي، ما يتيح للأفراد استخراج المياه من الآبار بقدر ما يريدون بعد الحصول على إذن، وبدون أي إشراف حكومي مناسب.وبدوره، قال المدير التنفيذي لـ«شركة إدارة الموارد المائية» محمد حاج رسولي: «يوجد نحو 320 ألف بئر مياه غير شرعية، ويجري إغلاق ما بين 13- 14 ألف بئر غير شرعية سنوياً». وتُعتبر الرسوم المفروضة على المياه سبباً آخر لسوء استخدامها، فعلى سبيل المثال، ذكر علي أصغر قانع، نائب رئيس «الشركة الوطنية لهندسة المياه ومياه الصرف الصحي» المسؤولة عن التخطيط والتطوير في إيران، أن كل متر مكعب من المياه يكلّف الحكومة 10 آلاف ريال في المناطق الحضرية في حين أنها تتقاضى من المستهلكين 4 آلاف ريال فقط.

تأثير التغيرات المناخية والنمو السكاني

كما أثرت التغيرات المناخية، والنمو السكاني، بشكل كبير على إمدادات المياه والطلب عليها، وتشير الدراسات حول هطول الأمطار في إيران، إلى أنها تراجعت خلال العقود الخمسة الماضية، ويكتسب هذا الأمر أهمية كبيرة لأن مياه الأمطار في إيران غير موزعة بالتساوي، وتعد إحدى مشكلات إيران الرئيسية، باعتبار أن الأمطار مصدر أساسي للإمداد بالمياه، حيث إن متوسط مياه الأمطار هو 250 ملم في السنة، أي حوالي ثلث المتوسط العالمي، علماً بأن ثلثي الكمية تتبخر ولا تتم الاستفادة منها.

وتتأثر إمدادات المياه أيضاً بالنمو السكاني، الذي يشكل أحد الأسباب الرئيسية لنقص المياه في إيران خلال القرن الماضي، فمع ازدياد عدد السكان، ارتفع معدل استهلاك المياه، من دون وعي كافٍ بإمدادات البلاد المحدودة من المياه. فعدد سكان إيران تضاعف خلال القرن العشرين بستة أضعاف، فقد زاد معدل النمو السكاني من 0.6% مع بداية القرن، ليصل إلى 3.19% بين 1976 و1986، وكانت الحكومات الإيرانية قد شجّعت على النمو السكاني بعد الثورة، من دون التنبه إلى الأمن المائي، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان إيران إلى 92 مليون نسمة، وهو رقم كبير، بالنظر إلى استهلاك المياه، حيث إن معدل استهلاك الفرد في العالم يتراوح بين 150- 175 لتراً في اليوم، بينما يستهلك المواطن الإيراني ضعف تلك الكمية مرة ونصف المرة أو ضعفين.

إقرأ أيضاً..ألمانيا ترغب في رفع أعداد المجنسين لثلاثة أضعاف.. تعرف على شروط الجنسية

تظاهرات احتجاجية

ولفتت الدراسة إلى أن الاضطرابات الاجتماعية في إيران، ستزداد حدة، بسبب نقص المياه، فالتقديرات تشير إلى أن 97% من مساحة البلاد تعاني من الجفاف بدرجة معينة، وفق مؤسسة الأرصاد الجوية الإيرانية، كما تظهر البيانات أن 11 مدينة رئيسية يبلغ إجمالي عدد سكانها 37 مليون نسمة في إيران، تعاني من الإجهاد المائي، كما تحتل إيران المرتبة 24 من حيث أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه وفق «معهد الموارد العالمية».وتُعدّ أصفهان واحدة من أكثر المحافظات المتضررة من نقص المياه، وقد تظاهر مواطنوها عدة مرات على خلفية ذلك؛ فعام 2013، على سبيل المثال، تصادم المزارعون مع القوى الأمنية، وحطموا خط الأنابيب الذي ينقل المياه إلى يزد، واندلعت التظاهرات مرة أخرى بعد سنة على خلفية جفاف نهر زاينده رود، وفي عام 2018، علت الهتافات المناهضة للحكومة، حيث لقي 25 شخصاً حتفهم وتمّ اعتقال 3700 شخص. كما اندلعت التظاهرات على خلفية نقص المياه في محافظات أخرى، ففي محافظة خوزستان، التي تساهم بـ16% من إجمالي الناتج المحلي الإيراني، وتملك 80% من احتياطيات النفط الإيرانية، تحوّلت التظاهرات ضد شح المياه والتلوث إلى احتجاجات ضد الحكومة. واندلعت أيضاً تظاهرة احتجاجاً على تلوث المياه ونقصها في مدينة عبادان. وأكدت القوات الأمنية إصابة 11 شخصاً معلنةً أن «المحتجين ضد نوعية المياه السيئة في القسم الغربي من المدينة، ألقوا مقذوفات وأضرموا النيران في حاويات النفايات وعلى إحدى المركبات».

تحذيرات من صيف جاف

وتشير التقديرات -بحسب الدراسة- إلى أن إيران ستشهد صيفاً جافاً هذا العام، فقد ارتفع معدل الحرارة في البلاد بواقع درجتين خلال القرنين الماضيين، أي أعلى بأربع مرات من المعدل العالمي، وتفاقمت أزمة المياه بسبب زيادة درجة الحرارة والذي يؤدي إلى زيادة التبخر، وازدياد حاجة للمياه بسبب القطاع الزراعي. وبناء على ذلك، تجتمع عدة عوامل لتدعم التوقعات حول استمرار موجات الجفاف المضرة في إيران، سواء هذا العام أو في المستقبل القريب، ما سيزيد الاضطرابات الاجتماعية.

واختتمت الدراسة بالتأكيد أن الأمن المائي، يشكل تهديداً لإيران ويحتاج إلى معالجته بشكل فوري، لكن لا توجد هنالك بوادر لحلول بعيدة المدى، فالجهود التي تبذلها الحكومة الإيرانية للحدّ من شح المياه ضئيلة إن لم تكُن معدومة، ما يشير بوضوح إلى غياب استراتيجية خاصة بالمياه. وأكدت الدراسة أنه مع تزايد وتيرة نقص المياه، ستتناقص شرعية النظام الحاكم في إيران، كما سيؤدي شح المياه، إلى زيادة التظاهرات التي اندلعت، وإلى ازدياد الاضطرابات الاجتماعية والتي ستزداد حدتها، كما سيتزايد النزوح من الريف إلى المدن، مما يضع المدن الكبرى تحت وطأة مزيد من الضغوط.