الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

العزلة والمصالح المتبادلة تعززان التقارب العسكري الروسي-الأفريقي

العزلة والمصالح المتبادلة تعززان التقارب العسكري الروسي-الأفريقي

صورة نمطية لروسيا في أفريقيا.. خلافاً للقوى الكبرى التي تسعى للحصول على المواد الأولية. (رويترز)

ماذا تريد روسيا من أفريقيا؟ ولماذا تهدد وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور، بسحب 1500 جندي ألماني من مالي؟ وهل لدى روسيا الطموح والأدوات حتى تنافس القوى الكبرى التي تتزاحم على مقدرات وموارد القارة الأفريقية؟

روسيا والعلاقة مع أفريقيا

ربما تحتاج الإجابة عن هذه الأسئلة، إلى الاستعانة بالمثل الألماني الشهير الذي يقول «الحب القديم لا يصدأ»، فموسكو التي ورثت كل شيء عن الاتحاد السوفييتي السابق، تسعى لاستعادة العلاقات القديمة مع القارة الأفريقية، التي وصلت علاقاتها لمراحل متقدمة للغاية، في عهد الاتحاد السوفييتي السابق والحرب الباردة، وهو ما عبر عنه الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه أمام القمة الأفريقية- الروسية، التي جمعت 43 قائداً وزعيماً أفريقياً، واستضافها منتجع سوتشي عام 2019.

فالقراءة المتأنية لهذا الخطاب تقول بوضوح إن سيد الكرملين يعتقد أنه حان الوقت لإعادة الاستثمار في رأس المال السوفييتي الذي تبدد مؤقتاً بسقوط جدار برلين عام 1991.

المصالح المتبادلة

وكما يحتاج الحب إلى طرفين، فإن المصالح المتبادلة بين أفريقيا وروسيا، شكلت الحافز الأكبر لاستعادة الأيام الخوالي بينهما، خاصة بعد عام 2014، عندما سيطرت روسيا على شبة جزيرة القرم، وتعرضت لعقوبات اقتصادية شديدة من الغرب والولايات المتحدة.

كانت أفريقيا بالإضافة إلى سوريا، أبرز المنافذ التي سعت من خلالها الدبلوماسية الروسية للخروج من عنق العقوبات الغربية، وتلاقت الرغبة الروسية مع سعي أفريقيا للبحث عن شركاء استراتيجيين جدد، ورغبة الدول الأفريقية في مزيد من الدعم في الحرب على الإرهاب، خاصة أن التعاون الروسي لا يضع أي مشروطية سياسية، كما هو الحال في شروط الولايات المتحدة والدول الغربية.

فما هي أدوات روسيا للتغلغل في أفريقيا؟ وهل يمكن أن يساهم التواجد الروسي في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي تحتاج إليه القارة السمراء؟

القوة الذكية

بدأت محاولات روسيا لإحياء العلاقات القديمة مع أفريقيا، في السنوات الأولى لحكم الرئيس بوتين، عندما قام بزيارته الوحيدة لجنوب أفريقيا عام 2006، كما شهد عام 2009، عندما كان بوتين رئيساً للوزراء، جولة مهمة للرئيس الروسي في ذلك الوقت ديمتري ميدفيدف، إلى 7 دول أفريقية.

لكن عام 2014 كان البداية الحقيقية، والمؤشر الأقوى على عودة روسيا إلى أفريقيا، ففي الفترة من 2014 حتى 2019، قام 12 زعيماً أفريقياً بزيارة موسكو، قبل انعقاد القمة الروسية- الأفريقية الأولى، في سوتشي عام 2019، بحضور 43 رئيساً ورئيس وزراء أفريقياً.

وساهم النهج الانعزالي في سياسات الكثير من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واهتمام الدول الغربية بقضيتين فقط؛ هما الأمن والهجرة غير الشرعية، بينما تعتمد روسيا على ما تطلق عليه القوة الذكية التي تجمع بين القوتين الناعمة والصلبة.

كل ذلك ساهم في اكتشاف مساحات كبيرة للتعاون بين روسيا وأفريقيا، فروسيا التي تعرضت لمحاولات عزلها على الساحة الدولية بعد عام 2014، ترى مصالحها في تقوية العلاقة مع القارة الأفريقية التي تشكل الرقم الصعب في التصويت داخل مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى.

فأفريقيا تشكل أكبر كتلة تصويت جغرافية داخل الكثير من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية الدولية، وفي المقابل تقدم روسيا نفسها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتسعى مع الدول الأفريقية إلى مواصلة العمل بقوة نحو تطوير الاتجاه العالمي، والخطوات العملية لتعزيز السلام والاستقرار في أفريقيا، وفق ما قال الرئيس بوتين على هامش القمة الأفريقية- الروسية عام 2019.

وفود الكلاشينكوف

ويشكل الوضع في مالي نموذجاً لرغبة الدول الأفريقية في تعزيز وتعظيم التعاون العسكري والأمني مع روسيا، فرغم نشر فرنسا لقواتها في مالي منذ عام 2013، تتحدث أوساط ألمانية وفرنسية، عن محادثات بين المجلس العسكري في مالي، وشركة «فاغنر» الروسية، لاستعانة مالي بقوات من تلك الشركة.

وبالفعل بات التعاون العسكري عنواناً للعلاقات الأفريقية- الروسية، حيث أوفدت 30 دولة أفريقية بعثات عسكرية وتقنية للدراسة في جامعات وزارة الدفاع الروسية، وفق الرئيس بوتين.

ومنذ عام 2014، وقعت الشركة الروسية «روس أوبورن إكسبورت»، اتفاقيات لتوريد معدات عسكرية، وتدريب للقوات الأمنية والعسكرية، على مكافحة الإرهاب مع دول أفريقية كثيرة؛ مثل أنغولا وغينيا الاستوائية ومالي ونيجيريا والسودان.

كما أن روسيا من أكثر دول العالم، التي تساهم في قوات حفظ السلام الأممية في أفريقيا، حيث يفوق عدد جنود حفظ السلام الروس في أفريقيا، عدد كل المشاركين من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بحسب دراسة لمعهد الدراسات الأمنية الأمريكية.

كما وقعت روسيا اتفاقية عسكرية علنية مع دولة أفريقيا الوسطى عام 2018، بالإضافة إلى اتفاقها مع السودان على بناء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان عام 2017، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية عسكرية روسية مع نيجيريا في 25 أغسطس من هذا العام بحسب بيان للسفارة النيجيرية في موسكو.

أهداف اقتصادية

رغم أن روسيا تحاول بناء صورة نمطية لها في أفريقيا تختلف عن صورة القوى الكبرى الأخرى التي تسعى للحصول على المواد الأولية والموارد الأفريقية إلا أن هناك أهدافاً اقتصادية ومنافع استثمارية تسعى روسيا لتحقيقها مع أفريقيا، وتقول روسيا في سبيل تبرير تحركاتها الاقتصادية إن التعاون مع أفريقيا يجري وفق قاعدة المصالح المتبادلة بين الأطراف، حسب تقدير الكرملين.

وشهدت الفترة من عام 2005 حتى 2015، زيادة في التجارة البينية بين الطرفين، بنسبة 185%، وفق دراسة أعدها «روناك جوبالدز» بمؤسسة الدراسات الأمنية الأمريكية، كما تعمل روسيا على مضاعفة التجارة البينية من 20 مليار عام 2019، إلى 40 مليار خلال السنوات الخمس التالية، حسب تقديرات الرئيس بوتين خلال قمة سوتشي الأفريقية الروسية التي شهدت توقيع أكثر من 30 عقداً ومذكرة تعاون، بين موسكو والدول الأفريقية، بالإضافة إلى إطلاق صندوق استثماري مشترك بقيمة 5 مليارات دولار.

كل ذلك يأتي بخلاف ما كشفه مستشار الرئيس الروسي أنطون كوبياكوف، بأن حجم الصفقات المبرمة على هامش قمة سوتشي، بلغت 13 ملياراً.

ورغم أن روسيا مترامية الأطراف، ولديها موارد أولية ضخمة، إلا أنها في حاجة إلى الحصول على مواد مثل البوكسيت، والمنجنيز، واليورانيوم، والمعادن النادرة، والبلاتين، ولهذا دخلت مجموعة روستك الروسية في شراكة لاستخراج البلاتين بقيمة 3 مليارات دولار في زيمبابوي، وهو أكبر استثمار منفرد في البلاد، منذ الاستقلال في عام 1980 بحسب دراسة معهد الدراسات الأمنية.

تحديات مستقبلية

المؤكد أن رسم مسار مستقبلي، يدعم الحضور الروسي على كافة المسارات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية الأفريقية، يتوقف على مدى القدرة الروسية على تحويل الرغبة الأفريقية في التعاون مع موسكو من حاجة مؤقتة إلى استراتيجية طويلة المدى، وتخصيص المزيد من الوقت والموارد والاستثمارات للقارة الشابة.