الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

من يملأ فراغ فرنسا؟ .. التنظيمات المتطرفة تنشط في الساحل الأفريقي

من يملأ فراغ فرنسا؟ .. التنظيمات المتطرفة تنشط في الساحل الأفريقي

عناصر من الجيش المالي (رويترز).

  • ينشط في تلك المنطقة «القاعدة في بلاد المغرب» و«بوكو حرام» و«داعش»
  • المنظمات الإرهابية تستغل فشل المنظمة الأممية في دعم مجموعة دول الساحل

تصاعدت حدة هجمات التنظيمات المتطرفة والإرهابية، في منطقة الساحل الأفريقي، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد سحب فرنسا آخر جنودها من قاعدة «تساليت» في مالي 13 نوفمبر الجاري، وهو ما عدَّه خبراء بأنه «كان له تأثير نفسي على التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، أدى إلى إحساسها بالانتصار، وزيادتها من عملياتها الإرهابية المسلحة، بعدما ملأت الفراغ الذي تركته فرنسا، ما سيتسبب في انهيار كل ما تحقق خلال السنوات الماضية، في ما يخص محاربة تلك التنظيمات، في غضون أيام وأشهر قليلة».

وتمتد منطقة الساحل الأفريقي بعرض القارة الأفريقية، أسفل شريط الصحراء الكبرى، من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وتضم موريتانيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وتشاد، والنيجر.

زيادة العمليات الإرهابية

وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 10 يونيو الماضي، إنهاء مهام عملية «برخان» العسكرية الفرنسية، التي أطلقت سنة 2014، لمحاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، التي ضمت 5 آلاف جندي فرنسي.

ومباشرة بعد سحب فرنسا لآخر جنودها من قاعدة «تساليت» في مالي 13 نوفمبر، استهدف مسلحون في صباح اليوم التالي موقعاً للشرطة في شمال بوركينا فاسو، ما أدى إلى قتل 28 من أفراد الشرطة العسكرية و4 مدنيين. وفي 16 نوفمبر، شن مسلحون متشددون هجوماً على بلدتي تيليا وتاهوا في النيجر، ما نتج عنه قتل 25 مدنياً. وفي 17 نوفمبر، فقد تعرض مخيم للطوارق في مدينة باكورات غرب النيجر لهجوم أدى إلى مقتل 22 شخصاً وإصابة العشرات.

وينشط في تلك المنطقة، التي تعاني من الفقر، والمجاعة، والجريمة المنظمة، والتطاحن القبلي الإثني، والمشاكل المناخية، تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، و«نصرة الإسلام»، و «بوكو حرام»، و«داعش»، الذي نقل مركز ثقله من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، وفق نشرة مؤشر الإرهاب العالمي، التي صدرت في نوفمبر المنصرم.

فشل المنظمة الأممية

وقال رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، الموريتاني ديدي ولد السالك «إنهاء فرنسا لمهام عملية«برخان»، وسحبها لقواتها من منطقة الساحل والصحراء، كان له تأثير نفسي على الإرهابيين، والمنظمات الإرهابية النشطة بالمنطقة، إذ اعتبروا الأمر انتصاراً لهم في منطقة الساحل، ما نتج عنه زيادة في وتيرة عمليات المنظمات الإرهابية».

وأضاف في تصريحات خاصة «المنظمات الإرهابية تستغل أيضاً استمرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، في تلك المنطقة، وعدم الاستقرار، فمالي شهدت وقوع عمليتي انقلاب في فترة وجيزة، كما شهدت تشاد انقلاباً، بخلاف وفاة الرئيس إدريس ديبي».

وتابع «المنظمات الإرهابية تستغل أيضاً فشل المنظمة الأممية، والهيئات الدولية، والقوى النافذة في العالم، في دعم مجموعة دول الساحل الخمسة، دعماً مادياً واقتصادياً تنموياً، يمكن أن يخفف عليها عبء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وأوضح: هذه العوامل مجتمعة جعلت المنظمات الإرهابية تزيد من نفوذها، وحضورها، وعملياتها في منطقة الساحل والصحراء، في ظل الانهيار في مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، مع تفاوت أوضاعها، في حين تبقى موريتانيا، أحسن دول المنطقة من الناحية الأمنية».

طريقة استباقية

ومن جانبه، قال الخبير المغربي في الحركات الإسلامية والمنظمات الإرهابية، إدريس قصوري «إنهاء فرنسا مهام عملية برخان، وسحبها قواتها من منطقة الساحل والصحراء، كان خطأً جسيماً، وفتح الباب أمام التنظيمات الإرهابية لتملأ الفراغ، وتستفيد منه قبل أن تستجمع دول المنطقة نفسها، وتكون قادرة على التحكم في تأمين بلدانها ومواطنيها، والتنظيمات الإرهابية كانت جاهزة وتتربص، وعملت بطريقة استباقية، وبالتالي ستكون أكثر قوة وقدرة على السيطرة والتحكم مقارنة من الدول نفسها».

وأضاف في تصريحات خاصة «فرنسا انسحبت في سياق غير مواتٍ وسلبي، يشهد تمزقاً في دول المنطقة، وانقلابات، وتمدداً للتنظيمات الإرهابية، وانسحابها كان يجب أن يتم بعد استتباب الوضع أمنياً، واستقرار المنطقة، وتنظيم عمليات انتخابية ديمقراطية، لتداول التناوب على السلطة، وتَقوِّي جيوش دول منطقة الساحل والصحراء، بحيث تصبح جيوشاً احترافية قادرة على الدفاع عن تلك الدول».

انهيار سريع

وتابع قصوري «كل ما حققته فرنسا في المنطقة في ما يخص محاربة التنظيمات الإرهابية، سينهار في أيام وأشهر قليلة، ولا سيما أمام تفكك الدول، وغياب بديل من الدول القوية في شمال أفريقيا، المغرب والجزائر، للتصدي لتلك التنظيمات الإرهابية، والعمل بشكل مشترك، لأن الإرهاب، لا يمكن أن تتفوق عليه دولة بمفردها، والدول المجاورة هي التي ستدفع الفاتورة للأسف الشديد؛ مالي، والجزائر التي تشهد حراكاً، وليبيا التي تعيش وضعاً غير مستقر».

سد الفراغ الفرنسي

وفيما يتعلق بالتحركات التي يمكن القيام بها، لسد الفراغ الذي تركته فرنسا، قال رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، الموريتاني ديدي ولد السالك «يمكن أن يتم من خلال زيادة القوات الأوروبية في المنطقة، وهناك بالفعل توجها نحو زيادة القوات الأوروبية، لتحل محل القوات الفرنسية».

وأضاف في تصريحات خاصة «كما يمكن أن يتم كذلك عبر زيادة الدعم الدولي لدول المنطقة، لعل وعسى تتحسن أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، لأنه بدون ذلك ستفشل مكافحة الإرهاب كما فشلت في العقود الماضية، وأيضا عبر دعم المجتمع الدولي لدول الساحل والصحراء، ولقواتها المشتركة، من خلال زيادة عددها، وتزويدها لوجستيا بالمعدات الكافية لمواجهة تلك المنظمات الإرهابية، وتحديداً الطائرات المسيرة، وخدمات الأقمار الاصطناعية، وكل الوسائل التكنولوجية الحديثة، لمتابعة تحركات تلك المنظمات الإرهابية في المناطق الوعرة».

واستطرد «فرنسا أعلنت عن إنهاء عملية برخان، وسحب قواتها من المنطقة، لتخفيف ضغط الرأي العام الفرنسي، نتيجة الكلفة المالية والبشرية من الضحايا الفرنسيين، خصوصاً أن الرئيس ماكرون، يقترب من انتخابات رئاسية، وفرنسا سحبت جزءاً من قواتها من المنطقة وليس كلها، وستعيد تنظيم قواتها في المنطقة مستقبلاً، بعد فشل عملية برخان، لأن فرنسا لا يمكن أن تنسحب من المنطقة، لأن نفوذها باقٍ فيها، ولا تزال لديها مصالح هناك».

محاربة الإرهاب

ولمواجهة التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، أسست دول الساحل الخمس، وهي: موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر، قوة مشتركة خلال قمة دول الساحل الخمس، التي عقدت في العاصمة المالية باماكو في يوليو 2017، بحضور الرئيس الفرنسي ماكرون، واتفق رؤساء تلك الدول على أن تتكون القوة المشتركة من 5 آلاف عنصر، بكلفة مالية قدرها 400 مليون يورو.

كما تتواجد في منطقة الساحل الأفريقي مجموعة من البعثات العسكرية، التي تتقاسم الهدف نفسه مع القوة المشتركة المذكورة، وهي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المعروفة باسم «مينوسما»، وبعثة الاتحاد الأوروبي، والقوات الخاصة «تاكوبا»، التي تقرر تشكيلها في مارس 2020، على يد فرنسا ومجموعة من حلفائها الأوروبيين والأفارقة.