الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

الصين وأفريقيا في العصر الجديد.. «شراكة متساوية»

تستضيف العاصمة السنغالية داكار ( الاثنين)، منتدى التعاون الصيني الأفريقي «فوكاك»، حيث سيعمل الجانبان بثبات على تعزيز الصداقة التقليدية بينهما، وتعزيز التعاون متبادل المنفعة، وحماية المصالح المشتركة. وأصدر مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني، كتاباً أبيض يوضح تفاصيل تعاون البلاد مع أفريقيا في العصر الجديد، مؤكداً أن الخبرات السابقة المشتركة، والغايات، والأهداف المتشابهة قرّبت الصين وأفريقيا من بعضهما البعض. وأضافت الوثيقة أن الصين وأفريقيا ستظلان دائماً مجتمع مستقبل مشترك. وطرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، مبادئ سياسة الصين تجاه أفريقيا متمثلة في: مبادئ الإخلاص والنتائج الحقيقية والصداقة والتقارب وحسن النية ومبدأ السعي لتحقيق منافع أفضل والمصالح المشتركة. ورسم مسار تعاون الصين مع أفريقيا، وتقديم المبادئ التوجيهية الأساسية. وأشار الكتاب الأبيض إلى أن الصين والدول الأفريقية ستستمر في تحديد وتيرة التعاون من خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ودعم مبادرة «الحزام والطريق»، ورفع الشراكة الاستراتيجية والتعاونية الشاملة بين الصين وأفريقيا إلى مستوى أعلى، وتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً معاً.



ارتفاع حجم التجارة

يقول رئيس البعثة الدائمة للاتحاد الأفريقي لدى جامعة الدول العربية بمصر، السفير عبدالحميد بوزاهر، إن منتدى الشراكة الصينية الأفريقية يعود لأكثر من 20 عاماً، أثبت خلالها جدواه وفاعليته ومنفعته المتبادلة، على الطرفين الصيني والأفريقي.

وأضاف بوزاهر لـ«الرؤية» أن التجارة البينية بين الصين وأفريقيا زادت أضعاف تلك التي بدأت بها عام 2000 منذ انعقاد أول منتدى للتعاون الصيني الأفريقي، وخلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري بلغ حجم الاستثمارات المباشرة للصين في أفريقيا 2.59 مليار دولار، بزيادة 9.9% على أساس سنوي، وهو ما فاق إجمالي الاستثمارات الخارجية للصين بواقع 3 نقاط مئوية، وتجاوز مستوى ما قبل جائحة كورونا في الفترة نفسها من عام 2019، فيما ارتفعت التجارة بين الصين وأفريقيا خلال نفس الفترة (التسعة أشهر الأولى من العام الجاري) بنسبة 38.2% لتصل إلى 185.2 مليار دولار، وهو أعلى مستوى تاريخي لها لنفس الفترة، رغم جائحة كورونا. بحسب التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا.

وأشار الجزائري بوزاهر، إلى أن الصين بفضل منتدى التعاون الصيني الأفريقي أصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 12 عاماً متتالية، فقد تحدت التجارةُ الثنائيةُ بين بكين والقارة السمراء، الضغوطَ الوبائية لتصل إلى 187 مليار دولار عام 2020، وزاد حجم التجارة بين الصين وأفريقيا، منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) في عام 2000 إلى 20 ضعفاً عن وقت بدء انعقاد المنتدى، فيما زاد حجم الاستثمارات المباشرة للصين في أفريقيا 100 ضعف حجمها في هذا التوقيت، بحسب التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا، لتكون بذلك فاقت ما تقدمه دول مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي من استثمارات مثمرة تستفيد منها أفريقيا، وتصب في صالح الدولة التي تستثمر هناك.

وأكد رئيس البعثة الدائمة للاتحاد الأفريقي لدى جامعة الدول العربية بمصر، أن هذه الأرقام هي انعكاس للطبيعة الخاصة المتميزة التي تربط بين الطرفين، وهي علاقات قائمة على الأخوة، والصداقة، والثقة المتبادلة على التزام الطرفين بتلبية الطلبات الموجودة، وكذلك من طبيعة هذه الشراكة أنها متعددة الجوانب، لا تستثني قطاعاً من قطاعات الحياة الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وكلما تقدم طرف أفريقي بأي موضوع إلا وحاول الشريك الصيني لأفريقيا التكفل به والعكس صحيح، وبالتالي العلاقة قائمة على خدمة المصلحة المشتركة في جميع المستويات.

وأضاف بوزاهر، أن الصين تدعم الدول الأفريقية في العديد من المجالات في علوم الفضاء، وفي الاقتصاد الرقمي، في الصناعة، والآن تبذل الصين جهوداً كبيرة لتحويل المواد الخام الأفريقية إلى منتجات في أوطانها لتصبح أكثر فائدة، وتخلق قواعد صناعية بها، وتوفر فرص عمل، وتنشر الثروة في البلاد.

مواجهة كورونا

وأكد بوزاهر أن التعاون الصيني الأفريقي منذ ظهور جائحة كورونا كان استثنائياً، حيث قدمت الصين مساعدات كمية ونوعية لأفريقيا، ونظمت جسراً جوياً قدمت خلاله الأجهزة الطبية في البداية على مراحل، وجندت جميع إمكانياتها لخدمة الدول الأفريقية في كينيا، إثيوبيا، زيمبابوي، الجزائر، المغرب، أنغولا، نيجيريا، أوغندا، فضلاً عن تقديم الصين لأفريقيا نحو 400 مليون جرعة من لقاح كورونا.

وأشار إلى أن المصير المشترك يحكم العلاقة بين الصين وأفريقيا، فمنذ إعلان الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين في عام 1949، وقفت الدول الأفريقية إلى جوار الصين تساعدها لاتخاذ مكانها الطبيعي واللائق بها في الأمم المتحدة، وبفضل دعم الدول الأفريقية، جاء تتويج هذه الجهود عام 1971، واعتلت منصبها الطبيعي في الأمم المتحدة، ومن حينها أصبحت الصين الشريك الصديق للدول الأفريقية في جميع المستويات، مؤكداً أن ما يميز العلاقة بين أفريقيا والصين، أن الأخيرة لم يكن لها ماضٍ استعماري في القارة السمراء.

ولفت إلى أنه ينتظر الكثير من اجتماعات منتدى التعاون الصيني الأفريقي؛ لأن القضية الأولى تقييم الشراكة بين الطرفين في مواجهة الجائحة، ثم اعتماد مخطط العمل في الفترة الثلاثية خلال الثلاث سنوات المقبلة، والتي ستركز على الجانب الاقتصادي، الذي هو صلب التعاون بين الطرفين، والذي يترتب عليه تطورا في جميع المجالات.



خطوة لتطوير العلاقات

يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية، السفير علي الحفني، إن هناك تحديات يواجهها الطرفين الصيني والأفريقي في الوقت الحالي، وبصفة خاصة جائحة كورونا، وانتشارها على المستوى العالمي، وحاجة الدول الأفريقية بصفة خاصة لتحقيق مبدأ العدالة في توزيع اللقاحات، فحتى الآن لا يوجد عدد كاف من اللقاحات، وحتى الموجود منها لم يتم توزيعه بشكل عادل وهذه شكوى مستمرة لمنظمة الصحة العالمية، وهو أنه حتى الآن لم يتم توزيع اللقاحات بالشكل العادل على المستوى العالمي، ومراعاة احتياجات الدول الأفريقية، وقد لعبت الصين دوراً قوياً في هذا الإطار، حيث ساعدت عدداً من الدول الأفريقية ومنها مصر في إنشاء مركز إقليمي لتصنيع اللقاح، وتوزيعه، وبالتالي نقلت التكنولوجيا الخاصة بتوزيع اللقاحات، وهذا يتم في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ومبادرة الحزام والطريق، والمبادرات التي اتخذتها الصين لدعم القدرات الأفريقية وخاصة في المجال الصحي.

وأضاف«الحفني» لـ«الرؤية»، أن الصين ومنذ عقدين من الزمان عندما فكرت بمنتدى التعاون الصيني الأفريقي شهدت العلاقات الصينية الأفريقية طفرة كبيرة انعكست على التبادل التجاري والاقتصادي والفني بين الطرفين، وجاءت مبادرة الحزام والطريق بين الطرفين في عام 2013، لتضيف زخماً على زخم، وأصبحت هناك اتفاقيات كبيرة تتم واستثمارات كثيرة تضخ، بحيث يتم تحديث البنية التحتية لأفريقيا، فمنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) في عام 2000، قامت شركات صينية ببناء وتطوير أكثر من 10 آلاف كم من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كم من الطرق السريعة في جميع أنحاء أفريقيا، وخلقت إجمالي أكثر من 4.5 مليون فرصة عمل، وقرابة 20 ميناء وأكثر من 80 منشأة طاقة رئيسية في إطار مبادرة الحزام والطريق و«خطط التعاون العشر» و«المبادرات الثماني» التي اقترحتها الصين خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي الأخير. بحسب البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية.

وأشار، إلى أن المنتدى المقرر عقده خلال يومي 29 و30 نوفمبر الجاري، خطوة على الطريق، ويتم في ظل تحديات كبيرة وبشكل افتراضي، ويركز بصفة خاصة على هذه التحديات، ومنها مساعدة الصين لأفريقيا في مواجهة التغير المناخي، والتكيف معه، وكيفية التعاون بين الطرفين في مواجهة التحديات بشكل أفضل الفترة المقبلة.



نجاحات وإنجازات

يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، إن منتدى التعاون الصيني الأفريقي يعد جسراً للتعاون بين الصين وأفريقيا فهو منتدى متعدد الأطراف تشارك فيه الدول الأفريقية كافة مع شريك استراتيجي هام وضروري لعملية التنمية والأمن والاستقرار في أفريقيا، فقد حقق في دوراته السابقة العديد من الإنجازات، أهمها هذا الحوار الدائر بين الصين وشركائها في القارة الأفريقية، وهذه العلاقة يتم ترجمتها إلى مجموعة متصلة من المشروعات التنموية والمبادرات الخلاقة التي جعلت من منتدى الصين أفريقيا أحد أهم المنتديات العالمية والأكثر اهتماماً من القارة الأفريقية بوصفه أداة وجسرا لتبادل الثقافات والمعارف، وأيضاً تبادل التجارة والاستثمار، والدفع بمستقبل القارة نحو المزيد من الأمن والاستقرار.

وأشار حجازي في حديثه لـ«الرؤية»، إلى ما طرحته الصين في منتدى التعاون الصيني الأفريقي السابق الذي عقد في بكين عام 2018، من تبنيه لفكرة الثماني مبادرات في تعاونها مع أفريقيا، وهم مجالات النهوض بالصناعة، وربط البنية التحتية، وتيسير التجارة، والتنمية الخضراء، وبناء القدرات، والرعاية الصحية، والتبادلات الشعبية، فضلاً عن السلام والأمن، مثل دعماً متزايداً للقارة السمراء.

وأكد أن الدول الأفريقية تحقق من خلال هذا المنتدى، هدفاً منشوداً وهو نقل الرؤى والتحديات التي تواجهها لشريك تدرك الدول الأفريقية أنه قادر على دعمها، صادق في مساعيه، ولعل المبادرات والمشروعات التي تقدمها الصين لدول القارة، سواء مجتمعة أو ثنائية هي مشروعات هامة تنموية وسياسية واقتصادية، تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار على مستوى القارة الأفريقية، فالشراكة التي يعبر عنها منتدى التعاون الصيني الأفريقي هي شراكة تخدم عملية التنمية في القارة، فضلاً عن الأمن والاستقرار اللذين هما بالتأكيد إطار استراتيجي يسهم في تعزيز قدرات أبناء القارة، وشعوبها في مواجهة التحديات كقضية الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

دعم تنموي

وأضاف حجازي أنه عندما تُمكّن الصين شعوب القارة من تحقيق التنمية المستدامة لا يكون هناك سبب لأبناء القارة للخروج خارج أوطانهم بحثاً عن هجرة غير شرعية، أو انخراطاً في الجماعات الإرهابية، فما تقدمه الصين من خلال هذا المنتدى هو أوسع وأشمل من الأطر الاقتصادية والتنموية الهامة؛ لأنه يتجاوزها لتحقيق أمن واستقرار القارة والحفاظ على السلم والأمن، الذي هو ليس جزءاً من أمن القارة فقط، وإنما من السلم والأمن العالميين، مشيراً إلى أنه لا يمكن مواجهة تحديات عابرة للحدود برؤية ثنائية، بل لا بد من رؤى متعددة الأطراف، وهو هدف تنشده الصين دائماً، عبر العمل من خلال الأطر المتعددة الأطراف.