الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

«قصة صادمة»..سر انهيار ديسموند توتو الوحيد أمام الكاميرات

«قصة صادمة»..سر انهيار ديسموند توتو الوحيد أمام الكاميرات

زهور على نعش ديزموند توتو خلال الجنازة الرسمية في كاتدرائية سانت جورج في كيب تاون. ( رويترز)

16 إبريل 1996، في اليوم الثاني لجلسات لجنة الحقيقة والمصالحة المسؤولة عن التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في ظل نظام الفصل العنصري، حنى رئيس أساقفة جنوب افريقيا ديسموند توتو رأسه معتمرا قلنسوة أرجوانية وأجهش بالبكاء. أمامه، معتقل سياسي سابق في سجن جزيرة روبن الشهير اسمه سينغكوكوانا أرنست مالغاس، يجلس على كرسيه المتحرك ويروي لتوتو الذي يترأس اللجنة ضروب التعذيب التي تعرض لها بأيدي عناصر الشرطة.

للمرة الأولى والوحيدة في مسيرته كشخصية عامة، انهار ديسموند توتو أمام الكاميرات، وقال في وقت لاحق «لم يكن ذلك عادلًا»، مضيفًا «ركّزت وسائل الإعلام علي بدلًا من أن تركّز على الضحايا».

وحشية النظام العنصري

فيما أثارت جلسات الاستماع أمام لجنة الحقيقة والمصالحة الرعب في كلّ أنحاء البلاد، من العام 1996 إلى 1998، إذ تابعت جنوب افريقيا عبر التلفزيون أو الإذاعة كلّ ليلة، بثّ التقرير الأسبوعي لجلسات هذه اللجنة، وتكشف لكثيرين رعب ووحشية النظام العنصري الأبيض الذي سقط في 1994 مع انتخاب نيلسون مانديلا رئيسًا.

فعلى مدار عامين، شارك ناشطون سود ومسؤولون بيض في جهاز الأمن وضحايا تعذيب وأقارب مفقودين في جلسات اللجنة.

وفي تقرير من 7 مجلّدات كتب «الرئيس» توتو «تنظيف للجروح حتى الشفاء»، مبينا أنه يريد جعل تقريره مساحة للضحايا يمكنهم عبرها تقاسم قصص صدمتهم مع الأمة.

فيما عملت لجنة الحقيقة والمصالحة وفق مبدأ ثوري، فالمجرمون والمدبرون المستعدون للاعتراف بجرائمهم ينالون عفوا في المقابل. لكن بشرط واحد، إذ يصرّ «توتو» على أن المصالحة والسماح لن يُمنحا إلا بعد الكشف الكامل عن الحقائق.

إحياء العلاقات المقطوعة

ووفق قول «توتو»، فإن قضاة نظام الفصل العنصري ليسوا هنا للحكم على أخلاقيات الأفعال المرتكبة، بل للعمل كحاضنة بغية التعافي الوطني والمصالحة والتسامح«، فيما لم يكن سهلا على بعض المراقبين والضحايا التسليم بهذا الأمر، لكن«توتو يرفض أي قضاء يعتبرانتقاما وعقابا طبيعيًا»، ويحثّ على«قضاء لا يهتّم بالعقاب بقدر ما يهتمّ بتصحيح الخلل وإحياء العلاقات المقطوعة».فهو يرى أنه مهما كان مقدار الوجع الناجم عن تجربة ما، فإنّ جروح الماضي يجب ألا تظل نازفة، بل يجب أن تُفتح وتُنظّف وصولا الى الشفاء"، لكن قلائل يشاركونه هذه الرؤية.

وأعرب المفوض السابق للجنة الحقيقة والمصالحة دوميسا نتسبيزا، المقرّب من «توتو»، عن أسفه في مقابلة مع فرانس برس عام 2015، معتبرًا أن البعض رأى أن ثمن العفو كان رخيصًا، ومتسائلًا عن هذا الاعتقاد المبني ربّما على كون «الناس لا يدخلون السجن».

وقال: «من أجل منح العفو، يجب أن تعترفوا بما قمتم به وبالتفاصيل.. ما أن يخرج ذلك من أفواهكم، لا عودة إلى الوراء.. هو إعدام مدى الحياة».

فشل مأسوي

ووصف الأسقف في تقريره، أنه «فشل مأسوي»، لكن الحكومة لم تطبق سوى بضع توصيات تضمنها، فيما لم تتم مقاضاة أي من المستبعدين من نطاق العفو، بسبب عدم اعترافهم بجميع ارتكاباتهم أو الفشل في اثبات الدوافع السياسية للجرائم المُرتكبة، ولم يمثل أمام القضاء الضباط والمدراء التنفيذيون الذين اختاروا عدم الاعتراف.

كذلك، لم تفرض السلطات ضريبة على الثروات اقترحتها لجنة الحقيقة والمصالحة بهدف الحدّ من التفاوت العميق الذي لا يزال يقوّض مجتمع جنوب افريقيا حتى بعد 30 عامًا من سقوط نظام الفصل العنصري.

وفي 2014، أعرب «توتو» عن أسفه لأداء السلطات قائلًا: «إن طريقة التعامل مع الحقيقة لحظة التفوه بها تُحدّد مدى نجاح العملية، في هذه النقطة بالذات كان فشلنا مأسويا».

وكتب أن جنوب إفريقيا كانت أشبه بمريض رفضت حكومته أن تستخدم معه علاجا أقوى قبل تعافيه بشكل كامل، ملاحظا أن «روحنا تظل مضطربة» جراء ذلك.

أما دوميسا نتسبيزا قال: «لم تنجز لجنة الحقيقة والمصالحة عملها.. ولكنني اطرح السؤال: هل يمكن تصور جنوب إفريقيا من دونها؟».