الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

تركيا في أفريقيا.. قوة ناعمة بطموحات تجارية

تركيا في أفريقيا.. قوة ناعمة بطموحات تجارية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان- (أسوشيتد برس).

ارتفاع حجم التجارة مع القارة السمراء إلى أكثر من 25 مليار دولار

أنقرة تزيد سفاراتها من 12 إلى إلى 44 منذ بداية الألفية الجديدة

تعمل تركيا منذ ما يزيد عن عقدين، على زيادة نفوذها في أفريقيا، إذ يكثف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، زياراته إلى دولها، ويرسخ اسم دولته فيها عبر مجموعة من المداخل التجارية، والاقتصادية، والعسكرية، ما يوفر فرصاً للمستثمرين الأتراك، ويفتح أمام الصناعة العسكرية التركية منافذ بيع جديدة، في وقت تعاني فيه تركيا من أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

تعزيز النفوذ التركي في أفريقيا

وذكرت«لوفيغارو» الفرنسية، أنه قبل أقل من عام ونصف من الانتخابات المقبلة، يعمل الرئيس أردوغان، على تعزيز نفوذ بلاده في أفريقيا، إذ قال في زيارته الأخيرة إلى الكونغو الديمقراطية «سنواصل تعزيز علاقاتنا مع البلدان الأفريقية على أساس الأخوة والتضامن»، حاملاً معه 100 ألف جرعة من اللقاحات ضد فيروس كورونا، ضمن 1.1 مليون جرعة وعد بتقديمها، وذلك قبل التوجه إلى السنغال، وقبل أن تجبره الحرب الأوكرانية على تأجيل رحلته إلى غينيا بيساو (وجهته الثالثة) إلى وقت لاحق.

يأتي ذلك بينما أعلنت فيه الصحافة التركية، عن افتتاح سفارة تركية جديدة هناك، وهي الـ44 في القارة، بعدما كانت 12 سفارة فقط في بداية الألفية، في حين زاد عدد السفارات الأفريقية في أنقرة من 10 إلى 37 سفارة، كما زار أردوغان، في أكتوبر الماضي، كلاً من أنغولا، ونيجيريا، وتوغو، وفي 17 و18 من ديسمبر 2021، استضاف القمة التركية- الأفريقية الثالثة في إسطنبول، بعنوان «الشراكة المعززة من أجل التنمية والازدهار المتبادلين».

تغيير استراتيجي

ويعد هذا التغيير الاستراتيجي، الذي بدأ في عام 1998 بإطلاق «خطة عمل للانفتاح على أفريقيا»، أولاً وقبل كل شيء نتيجة للتطورات الجيوسياسية، إذ أوضح أستاذ كرسي منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط في معهد العلوم السياسية بغرونوبل جان ماركو، أنه مع نهاية الحرب الباردة، ونهاية العالم ثنائي القطب، بدأت تركيا، التي كانت مرتبطة بشكل شبه كامل بالدول الغربية، وبإسرائيل فيما يتعلق بالشرق الأوسط، بالاهتمام ببيئتها القريبة؛ البلقان، والقوقاز، والشرق الأوسط، وبدأت أيضاً في ترسيخ نفسها في قارات أخرى، ولا سيما أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، "وفي عام 2003، أدى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة إلى تسريع هذا التوجه، الذي أوضح أن ذلك كان مع رغبة واضحة في إعادة تنشيط الروابط الثقافية الإسلامية، التي يعود تاريخها إلى الإمبراطورية العثمانية، مع توسيع دائرة نفوذها التقليدي، حيث تضاعف عدد مكاتب «تيكا» (وكالة التعاون والتنسيق التركية)، ليبلغ الآن 22 مكتباً عبر القارة الأفريقية، إلى جانب تزايد نشاط الهيئات العامة مثل رئاسة الشؤون الدينية (ديانت)، ومعاهد يونس إمري (التركية المعادلة للمعاهد الفرنسية)، والجمعيات الإنسانية مثل الهلال الأحمر التركي، أو مؤسسة"IHH.

فرص جديدة للمستثمرين الأتراك

وقالت صحيفة صباح اليومية الموالية للحكومة التركية مؤخراً، أن الانفتاح على أفريقيا، الذي بدأه أردوغان، غيّر مصير القارة، وأن زياراته إلى أركان أفريقيا الأربعة، تمثل فرصاً جديدة للمستثمرين الأتراك، مستشهدة بأمثلة عديدة، مثل الملعب الضخم الذي يتسع لـ50 ألف مقعد، وشيده مقاولون أتراك، وأنجز في وقت قياسي بلغ 17 شهراً في داكار بالسنغال، وأنه خلال 20 عاماً، زاد حجم التجارة مع القارة الأفريقية من أقل من 5 مليارات إلى أكثر من 25 مليار دولار، وهي نعمة في وقت يواجه فيه أردوغان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وذكرت «لوفيغارو»، أن دوائر الأعمال المقربة من أردوغان، هي التي تسيطر على كل هذه المشروعات الكبرى، ونقلت الصحيفة عن الباحث في العلاقات الدولية بجامعة جنوة ومؤلف كتاب تركيا في أفريقيا، فيديريكو دينيلي، قوله: «عندما نتحدث عن سياسة تركيا تجاه أفريقيا، فإن الأمر يتعلق قبل كل شيء بالسياسة الأفريقية لحزب العدالة والتنمية، لا سيما منذ الانقلاب الفاشل في عام 2016، وهناك بالفعل صلة وثيقة بين عالم الأعمال، ولا سيما ذلك المرتبط بقطاع الدفاع، والأعضاء الذين على مقربة من دائرة أردوغان».

مشروعات تركية بأفريقيا

وتشارك تركيا في بناء مساجد جديدة، كما هو الحال في مالي، ولكن أيضاً في البلدان ذات الأغلبية المسيحية مثل غانا، حيث تم افتتاح «مسجد الشعب» في عام 2017 على غرار الهندسة المعمارية للمساجد العثمانية في إسطنبول، ومشروعات كبرى أخرى؛ مثل إعادة تأهيل ميناء سواكن العثماني السابق في السودان، أما بالنسبة للتعليم فقد استولت عليه، فبعد مؤسسات فتح الله غولن بعد الانقلاب الفاشل لعام 2016، سيطرت بشكل تدريجي مؤسسة «معارف»، وهي قوة ناعمة تسعى إلى رعاية صورة تركيا «الخيرية»، وتهدف أيضاً إلى ملء الفراغ الذي تركته فرنسا، وأوضح ماركو أن أردوغان يريد «الاستفادة من أفعاله في أفريقيا، من خلال تمييز نفسه عن المستعمرين السابقين، الذين لن يسعوا إلا للحفاظ على هيمنتهم بوسائل أخرى، وعن القوى التجارية العظمى مثل الصين».

القوة الصلبة

ويعد التدخل العسكري لتركيا، التي لها قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في طور الانتقال إلى السرعة القصوى، من خلال النمو على مستوى عقود الأسلحة واتفاقيات التعاون العسكري، إذ عينت تركيا، في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، 18 ملحقاً عسكرياً في دول أفريقية مختلفة، يستخدمون نفوذهم في الاستراتيجية الأمنية، وهم نشطون للغاية من حيث التدريب، والضغط لصالح الصناعة العسكرية التركية، بحسب ما أفاده الباحث فيديريكو دونيلي لـ«لوفيغارو»، وفي مقدمة هذا الهجوم الاستراتيجي الجديد، نجد تسويق طائرات بيرقدار المسيرة، التي تستخدمها أنقرة منذ عام 2016 في العمليات ضد الانفصاليين الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني، وقال أردوغان بعد أول جولة أفريقية له في الخريف الماضي «في كل مكان أذهب إليه في أفريقيا، يتحدث الجميع معي عن الطائرات بدون طيار». وأشارت الصحيفة، إلى بعض الدول الأفريقية التي طلبت شراء الطائرة بيرقدار، أو أبدت اهتماماً بها، وأوضح دونيلي أنه «إذا كانت طائرات بيرقدار التركية جذابة للغاية، فذلك أيضاً لأن بيع هذه المعدات العسكرية بتكلفة أقل مصحوب بشروط مرنة، وهو ما لا يحدث عموماً مع الغربيين، الذين يسعون للحصول على مقابل فيما يتعلق بحقوق الإنسان والعملية الديمقراطية».