الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

صحافة المستقبل.. التكنولوجيا تجمع الجريدة والموبايل

لا تختلف المشكلات التي تعانيها الصحافة المطبوعة في معظم دول العالم عن بعضها البعض، فهناك ارتفاع في تكلفة الإنتاج، وانخفاض عائدات الإعلانات، والتراجع المتلاحق في التوزيع ومعدلات القراءة.

جزء رئيس من هذه المشكلات يعود إلى المنافسة الضارية التي أطلقتها التكنولوجيا الحديثة وخاصة شبكة الإنترنت وأجهزة الموبايل الذكي، التي تجعل القارئ متصلاً بالأخبار والأحداث على مدار الساعة، إضافة إلى أن المستهلك اعتاد الحصول على القصة الإخبارية عبر وسائط بصرية غنية من فيديو وصورة متحركة وعناصر تفاعلية.

أحد الحلول لتلك المشاكل هو استخدام تقنيات «الواقع المعزز» في الصحافة المطبوعة، الأمر الذي يصنع جسراً بين الصحيفة التقليدية وأحدث تقنيات عرض المحتوى، حيث تعمل هذه التقنية على تحويل الصور الثابتة المنشورة في الصحيفة إلى صورة متحركة وفيديو ورسوم ثلاثية الأبعاد، يمكن أن تراها عبر الهاتف أو الأجهزة اللوحية. وبعبارة أخرى، تعمل هذه التقنية كجسر مباشر بين الصحافة التقليدية والعالم الإلكتروني.


وتحتاج هذه التقنية إلى ثلاثة عناصر أساسية أولها «مولد المشهد» وهو البرمجيات المسؤولة عن إنجاز المشهد الافتراضي المطلوب (يمكن أن يكون ملف فيديو أو معرضاً للصور أو شكلاً ثلاثي الأبعاد)، والثاني هو «نظام التعقب» الذي يتتبع الصورة الثابتة (المنشورة في الجريدة مثلاً) ليقوم بتوليد المشهد الافتراضي المرتبط بها، وأخيراً «شاشة العرض» وهي المكان الذي يُعرض فيه المشهد الافتراضي، وغالباً ما يكون جهاز الهاتف المحمول.


ولكي نتخيل كيف تقدم الصحيفة القيمة المضافة للقارئ من خلال تقنية الواقع المعزز، دعنا نفترض أن الجريدة تغطي حفلاً فنياً، ونظراً لاعتبارات المساحة المطبوعة فإنها ستكتفي بنشر صورتين من هذا الحدث، ولكن القارئ بإمكانه أن يمرر جهاز الموبايل على الصورة المطبوعة في الجريدة، ليبدأ الموبايل عرض سلسلة طويلة من صور هذا الحفل وربما مقاطع فيديو، وهنا تكون تجربة القراءة قد تعززت بمحتوى إضافي آخر.

حتى الآن، تحاول صناعة الإعلام تحسس طريقها مع هذه التقنية، حيث ظهر العديد من التجارب المختلفة وربما يكون أحدثها ما فعلته مجلة «نيويوركر» الأمريكية الشهيرة التي شهدت في الفترة الأخيرة تراجعاً في التوزيع وكذلك في عدد زيارات موقعها الإلكتروني. وبحثاً عن جذب انتباه القارئ مرة أخرى فكرت المجلة في استخدام تلك التقنية ومنح المستخدم تجربة فريدة بتحويل لوحة الغلاف إلى صورة حية تظهر على الهاتف المحمول وتضع القارئ داخل المشهد الحي.

في سياق متصل، تستخدم صحيفة طوكيو شيمبيون اليابانية هذه التقنية بطريقة فريدة، حيث قامت بإعداد نسخة خاصة موجهة للأطفال من الصحيفة الشاملة، وللوصول إلى نسخة الأطفال يستخدم تطبيق الواقع المعزز، وبتمرير التطبيق على المقالات المخصصة للكبار في السياسة والاقتصاد وغيرها تظهر نسخة مبسطة مصحوبة بالألوان المبهجة والشخصيات الكرتونية والعناوين القافزة عبر الشاشة والحروف الهجائية المبسطة، الأمر الذي يجذب شريحة مختلفة تماماً من القراء للجريدة.

والحقيقة أن محاولات استخدام هذه التقنية في الصحافة بدأت اعتباراً من عام 2013، مع تجارب في صحيفتي الغارديان والإندبندنت البريطانيتين، وكذلك «دي فليت» الألمانية التي أطلق رئيس تحريرها فيديو موجهاً للقراء يشرح فيه كيفية استخدامها، حيث يمرر الهاتف على الإصدار المطبوع لتتحول صورة الغلاف إلى مقطع فيديو.

وهناك تجربة شهيرة في هذا الإطار تنفذها صحيفة «صنداي تلغراف» الأسترالية التي أصدرت تطبيق News Alive للعمل على أجهزة الهاتف الذكي، وكل ما يتحتم على القارئ أن يفعله هو تمرير كاميرا الهاتف على الصور المطبوعة في الجريدة ومشاهدة هذه الصور وهي تتحول على شاشة الموبايل إلى فيديوهات تشرح كل خبر، بالإضافة إلى أشكال غرافيكية وتوضيحية مصاحبة.

في العالم العربي ظهر العديد من التجارب في هذا المجال، وإن كان من الصعب الحكم عليها بشكل جيد، حيث تراجع البعض عن الاستمرار فيها، بينما لم يقدم البعض الآخر إضافة واضحة.

على سبيل المثال أطلقت صحيفة «أخبار اليوم» المصرية هذه الخدمة عام 2016، وكانت أغلبية المحتوى الإضافي هي المزيد من الصور التي يمكن أن يطالعها القارئ عبر الموبايل، ولكنها توقفت منذ فترة عن تقديم الخدمة، كما أطلقت عدة صحف أخرى تطبيقاتها لتقنية الواقع المعزز مثل صحيفة البيان الإماراتية، وصحيفة الأيام البحرينية، والجزيرة السعودية.

يوضح الصحافي البريطاني بيتر وارد المميزات التي توفرها تلك التقنيات للصحافة المطبوعة، وكيف يمكن أن تساهم في انتشالها من كبوتها، ويشير إلى أن استخدام الواقع المعزز يسمح بتقديم قوالب جديدة لنشر المحتوى الصحافي إلى جانب الأشكال التقليدية، كما أنه يساهم في زيادة الإبداع في العمل الصحافي، والبحث عن أفكار أكثر ابتكاراً تناسب المحتوى الجديد، كما أن هذه التقنيات تمثل فرصة اقتصادية سانحة بزيادة عائدات الإعلانات مع نشر الإعلان في الجريدة المطبوعة والتطبيق الإلكتروني والفيديو الافتراضي على سبيل المثال.

ورغم أن التجارب الصحافية مع هذه التقنية لم تصل إلى درجة الجودة الكاملة، إلا أن استفادة صناعة الإعلام من التطور الحادث مع استخدام تلك التكنولوجيا في عمليات التسويق التجاري ربما يوفر المزيد من الأفكار للاستخدام في الصحافة، وعلى سبيل المثال بدلاً من استخدام كتالوغ عرض المنتجات التقليدي، تستخدم شركة «إيكيا» للأثاث الآن تقنية الواقع المعزز لتضع المنتج في غرفة المعيشة الخاصة بك مباشرة، حيث يمكن أن تراها وكأنها حقيقية، وهذا الأمر يرفع نسب المبيعات بطريقة غير مسبوقة.

أيضاً يستخدم موقع Bing للترجمة على أجهزة Windows Phone تلك التقنية بطريقة مبتكرة لمساعدة السياح على معرفة اللغات الأجنبية أثناء السفر، حيث يكفي أن يوجه المستخدم الموبايل إلى لوحة أو نص مكتوب باللغة الأجنبية ليتم التقاطه وترجمته إلى لغة يفهمها المستخدم، ويعمل تطبيق الترجمة من غوغل بالطريقة نفسها حالياً.

* صحافي مصري مهتم بتأثير اتجاهات التكنولوجيا في المشهد الإعلامي