الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الذكاء الاصطناعي ينقذ الصور النادرة

كتب: إيهاب الزلاقي:

في «مشرحة» جريدة نيويورك تايمز الشهيرة لا يتم الاحتفاظ بـ«الجثث»، ولكن عوضاً عن ذلك يتم حفظ مجموعتها الهائلة من الصور التاريخية النادرة، ويطلق العاملون على مكان الأرشيف هذا اسم «المشرحة»، ففي قبو أسفل مقر الجريدة في تايمز سكوير، تخزن المؤسسة في الخزائن والأدراج ما يراوح بين 5 إلى 7 ملايين صورة تاريخية، ليس ذلك فقط، وإنما تحتفظ كل صورة بالمعلومات المرتبطة بها مثل تاريخ النشر والمكان وتفاصيل الحدث، في الوضع التقليدي ورغم وجود نظام جيد للأرشفة، تصعب الاستفادة الكاملة من هذا الكنز المعلوماتي، ولكن الأمر الآن يتغير اعتماداً على التكنولوجيا الحديثة، حيث تعمل الجريدة مع شركة غوغل عملاق التكنولوجيا لرقمنة هذا الكنز باستخدام أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

المشرحة، هو الاسم الذي يطلقه العاملون على منطقة التخزين في الطابق السفلي للمبنى، والذي يحتوى على صور تعود إلى القرن الـ19، والكثير منها لا يوجد في أي مكان آخر في العالم، ويقول عنها نيك روكويل رئيس قطاع التكنولوجيا في جريدة نيويورك تايمز: «المجموعة تمثل كنزاً من الوثائق القابلة للتلف، وهى ترصد العديد من الوقائع التي لا تقدر بثمن، ليس فقط بالنسبة لتاريخ الجريدة العريق ولكن لأنها توثق أكثر من قرن من الأحداث العالمية التي شكلت عالمنا الحديث».

لسنوات طويلة كان العثور على صورة في هذا الأرشيف يتم بطريقة يدوية تقليدية، حيث يذهب الصحافي إلى كتالوج البطاقات ومن خلاله يمكن تحديد خزانة الملفات والدرج الذي يحوي الوثائق الخاصة بأحد الموضوعات، وباستثناء حالات نادرة فإن غالبية هذه الصور لم يشاهدها أحد عبر سنوات طويلة.

نيويورك تايمز تتعاون مع غوغل لإنقاذ 5 ملايين صورة تاريخية في أرشيفها

لهذه الأسباب، وفى محاولة لإحياء هذا الإرث الكبير، تعاقدت التايمز مع غوغل لرقمنة هذه المجموعة الهائلة وتنظيمها في قواعد بيانات، ولا يتعلق المشروع الكبير بمسح الصور وتخزينها فقط، ولكن الفكرة ستكون أيضاً تنفيذ المسح الضوئي للمعلومات المكتوبة بخط اليد والمرفقة بكل صورة، حيث يمكن استخدام هذه المعلومات لاحقاً في تصنيف المعلومات الدلالية التي تحتويها مثل الموقع والتاريخ وأي ملاحظات أخرى. وتقول غوغل إن أدواتها التقنية ستمكن الجريدة من استخراج المزيد من المعلومات من الصور ما يجعلها أسهل في الفهرسة وإعادة الاستخدام مرة أخرى في المستقبل.

ولتنفيذ هذه المهمة تعتمد غوغل على استخدام تقنيات التخزين في السحابة، حيث من المتوقع أن يوفر النظام إدارة كاملة لدورة العمل، وتخزين للصور الرقمية عالية الدقة الممسوحة من الأصول المخزنة عبر خوادم السحابة الموزعة على مناطق جغرافية مختلفة ما يضمن توافرها في كل الأوقات ومن أي مكان، كما يتم توفير واجهة إدارة سهلة للمستخدمين بحيث يتمكن فريق العمل الصحافي من الوصول السهل إلى أي صورة يرغبون في استخدامها في موضوعاتهم، بالإضافة إلى ذلك تتوفر أيضاً واجهة برمجة للتطبيقات الأمر الذي يسهل أتمتة العمليات لاحقاً.

العملية لا تقتصر على تخزين كميات كبيرة من الصور عالية الدقة، فهذا الأمر وحده لا يكفى لإنشاء نظام يمكن المحررين من الوصول إلى الصور المطلوبة بسهولة، ولكن النقطة الحاسمة هي نظام معالجة النصوص والكتابة اليدوية وغيرها من المعلومات المرتبطة بالصورة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتحول هذه الكتابات إلى معلومات واضحة يتم تخزينها داخل قواعد بيانات مرفقة، بحيث يتم تفريغ كل المعلومات المكتوبة على ظهر الصور الأصلية وتحويلها إلى نصوص رقمية مفهرسة يمكن البحث داخلها دون الحاجة لتعقيدات فنية أو برمجية.

التقنيات الحديثة تتمكن من رقمنة وتحليل المعلومات المرفقة بالصور

في شهر يوليو الماضي، احتفل الفريق المكلف برقمنة الأرشيف المصور في «التايمز» بالوصول إلى مرحلة فارقة مميزة، حيث نجحوا في المسح الرقمي لمليون صورة، وهو رقم مهم على الطريق نحو تحويل الأرشيف بأكمله إلى الحالة الرقمية، وكانت الصورة رقم مليون يعود تاريخ التقاطها إلى عام 1940 وتعرض رجلاً يقف بفخر أمام سمكة ضخمة قام باصطيادها في لونج آيلاند وتحمل المعلومات المرتبطة بالصورة عبارة «فخور بأول صيد».

فريق العمل في المشروع من «نيويورك تايمز» يضم 5 من الفنيين، وهم جزء من قسم «السرد القصصي» الذي يعمل على جعل أرشيف الصور في متناول المحررين من خلال قاعدة البيانات الرقمية، ويهدف إلى رفع 4 ملايين صورة على الأقل إلى خوادم السحابة، ويقوم كل شخص من الفريق بمسح حوالى 1000 صورة يومياً.

ويعالج الفريق الصور بعناية بالغة، حيث تعود الكثير من الصور إلى أوائل القرن الـ20 أو ما قبل ذلك، وذلك عن طريق استبدال المجلدات الممزقة، والضغط على الصور إن لزم الأمر، ويمتلك الفريق خلفيات في الفنون والتاريخ، وخلال تنفيذ هذا المشروع استطاع العاملون أكثر من مرة العثور على مجموعات نادرة من الصور لم يعرف أحد عنها شيئاً من قبل، وهى الصور التي تلقي ضوءاً على لحظات مهمة في التاريخ.

ومن اللحظات الطريفة في المشروع، عندما قامت «ميغان بيتزولد» من فريق العمل باكتشاف أحد الدواليب الذي احتوى على مجموعة هائلة من صور الكلاب في أماكن مختلفة مع أصحابها وفى فترات زمنية مختلفة، وأدى هذا الاكتشاف إلى عقد مائدة مستديرة لفريق التحرير للنظر في كيفية استخدام هذا الكشف، وكانت النتيجة النهائية مقالاً مطولاً حمل عنوان «الكلاب قبل ظهور إنستغرام» حيث ظهرت الصور مع تحليل تحريري عما حدث من تغيير في الزمان والمكان لمدينة نيويورك.

إعادة إحياء أرشيف نيويورك تايمز المصور لم يكن الحالة الوحيدة التي تنفذها غوغل لإنقاذ أصول الوثائق التاريخية، هناك أيضاً المشروع الذي تم تنفيذه مع مجلة «لايف» وهى المجلة التي توقفت عن الصدور الآن، ولكن تلك المجلة وفريق عملها أنتجوا بعضاً من أهم وأشهر صور القرن الـ20 على الإطلاق، وتركت المجلة وراءها أرشيفاً يقدر بنحو 6.5 مليون صورة تمثل قطعاً تاريخية فريدة للتراث الإنساني، ولكنها في الوقت نفسه تمثل تحدياً كبيراً لأي شخص يحاول ترتيبها أو فهرستها واستكشافها، وهو الأمر الذي دفع غوغل للتقدم في محاولة لإنقاذ هذا الأرشيف باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاص بها.

تجربة أرشيف مجلة لايف مشروع تجريبي، لذا يحتوى على الكثير من أخطاء التعرف على العناصر في الصور، مثل الضغط على كلمة كمبيوتر فيظهر العديد من صور البيانو على سبيل المثال، كما أنه يفتقد العديد من التبويبات المفيدة مثل اسم المصور وتاريخ الصورة والأشخاص الظاهرين في الصور، ولكنه رغم ذلك يعتمد على تقنية المسح والتعرف ليقوم بتحديد عناصر الصورة عبر مجموعة من الكلمات المفتاحية الأمر الذي يتيح الوصول إلى الكثير والكثير من الصور والموضوعات المفيدة من أرشيف المجلة العريقة.

مبادرة Life Tags التي نفذتها غوغل لأرشيف لايف هي جزء من مبادرة أكبر تتعلق بالفنون والثقافة تعمل عليها غوغل، حيث تستخدم خبراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة لإدخال المزيد من الحياة على مشروعات الثقافة والفن التي تعمل عليها، ومنها على سبيل المثال تطبيق Art & Culture الذي يتيح للمستخدم تصوير صورة شخصية (سيلفى) ثم العثور على ما يشبهها في الأعمال الفنية العالمية الشهيرة، وهناك أيضا تجربة Art Palette التي تتوافر عبر التطبيق وتتيح للمستخدم تصفح اللوحات الفنية والمنحوتات والمنسوجات استناداً إلى الصور التي تقوم بتحميلها أو التقاطها، وهذه الميزة مفيدة للغاية للفنانين و عشاق الفن.