الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

الولايات المتحدة أم الصين.. من الفائز بالمعارك التكنولوجية الكبرى؟

الولايات المتحدة أم الصين.. من الفائز بالمعارك التكنولوجية الكبرى؟

في عالم ترتبط فيه القوة الجيوسياسية بالتقدم التكنولوجي، تقود الولايات المتحدة منذ فترة طويلة منافسيها، وتصنع الشركات الأمريكية أسرع الحواسيب في العالم، والمقاتلات النفاثة الأكثر دموية وأقوى الروبوتات.

لكن الاقتصاد الصيني المتنامي، ثاني أكبر اقتصاد في العالم الآن، واستثماراته الحكومية الضخمة في قطاع التقنيات، يتقدم على نحو لم يسبق له مثيل. وقد أدى هذا التقدم إلى تحفيز معركة الرئيس ترامب التجارية والاقتصادية مع بكين عن طريق فرض التعريفات الجمركية وضوابط التصدير وقمع العلماء الصينيين، بحجة أنهم يسرقون أسرار الشركات الأمريكية، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.

وترى الصحيفة أنه ليس من الواضح حتى الآن، كيف سيغير الدمار الاقتصادي الذي أحدثه فيروس كورونا كفة التنافس، ولكن المؤكد أنّ المرض لم يفلح في تهدئة التوتر، حيث ذكر أشخاص مطلعون أن إدارة ترامب تدرس فرض قيود جديدة لإعاقة قدرة الصين على صنع أشباه الموصلات (Semiconductors).



وحذر رئيس شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، الشهر الماضي، من أن بكين ستفرض قيوداً من قبلها أيضاً إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في هذه الخطة.


تمثلت المعركة التكنولوجية الأبرز بالسباق المتعلق بتقنية شبكات الجيل الخامس 5G فائقة السرعة التي تعد أساساً لتقنيات الغد. فاتخذت حكومة الولايات المتحدة إجراءات استثنائية لمحاولة إحباط هواوي، رائدة التكنولوجيا السحرية التي تعتبرها واشنطن تهديداً للأمن السيبراني.

امتدت المعركة أيضاً، إلى تقنيات أخرى تشبه 5G، أهمها الذكاء الاصطناعي الذي يعد محور ثورة صناعية جديدة، حيث ستساعد الحوسبة الكمومية (Quantum computing) في اكتشاف عقاقير جديدة وفك البيانات المشفرة التي كان يُعتقد في السابق أنها غير قابلة للكسر، وسوف تتمكن مركبات القيادة الذاتية من إصلاح أنظمة النقل والبنية التحتية. وستعمل شرائح الكمبيوتر المتقدمة كأدمغة رقمية تنظم كل شيء.

تستعرض وول ستريت جورنال هنا، معركة التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين حول بعض أهم مجالات الابتكار.

شبكات الجيل الخامس 5G

أوضح النائب العام وليام بار، موقف الولايات المتحدة من شبكات الجيل الخامس 5G في فبراير، عبر الإشارة إلى أن على واشنطن وحلفائها، التفكير بشراء شركتَي هواوي وإريكسون، ومقرهما في أوروبا.

لكن البيت الأبيض رفض في وقت لاحق فكرة شراء أي من الشركتين، لكن ملاحظات السيد بار ما تزال تؤكد على أنه لا يوجد عملاق أمريكي يتحدى شركة هواوي، أكبر مصنّعٍ لمعدات الاتصالات في العالم.

بعد العديد من الرهانات السيئة، استحوذت شركة نوكيا الفنلندية وشركة إريكسون السويدية على ما تبقى من أبطال الولايات المتحدة لوسينت وموتورولا، لكنهما فشلتا بدورهما في ظل أزمة تسريح العمال وعدم الربحية أثناء التنافس مع هواوي التي اكتسبت حصة السوق المجمعة من منافسيها الأوروبيين بفضل منتجاتها المتطورة وأسعارها المنخفضة.

ومن ناحية الولايات المتحدة، تعد شركة سيسكو سيستمز، أكبر صانع خفيّ لأجهزة التوجيه والمفاتيح التي تتصل بالمعدات الخلوية. وتعد كوالكوم، وإنترديجيتال، من شركات الملكية الفكرية الرائدة التي تحصل على حقوق امتياز لبراءات اختراع التكنولوجيا الخلوية، لكن هذه الأسواق صغيرة نسبياً، وهواوي أقوى من كليهما. يمكن أن تذهب أكثر من 60% من نفقات رأس المال لشبكة الاتصالات اللاسلكية 5G إلى المعدات الخلوية، مثل أجهزة الراديو، وهي سوق تقودها هواوي.

ساعدت معدات هواوي الخلوية المتطورة تقنياً، وقدرتها الإنتاجية السريعة، الصين على طرح الجيل الخامس بسرعة، ما أدى إلى تحويل معظم البلاد، إلى مختبر محتمل لتقنية 5G، مثل السيارات ذاتية القيادة. وأدت قيود الموجات الهوائية إلى إبطاء بناء شبكات 5 Gالأمريكية، في الوقت نفسه.

ولكن من السابق لأوانه إعلان الصين الفائز في سباق 5G، خاصة أن واشنطن لديها المزيد من الأدوات لإبطاء هيمنة هواوي.

أشار دان وانغ، محلل تكنولوجي في شركة الأبحاث جافيكال ومقرها بكين، إلى أن الوكالات الفيدرالية في واشنطن تناقش حالياً كيفية تشديد العقوبات على هواوي، فإذا ما حدث ذلك، فسوف تواجه هواوي صعوبة في صنع الهواتف الذكية ومعدات 5.G

الذكاء الاصطناعي

قبل 3 سنوات، أعلنت بكين عزمها على أن تكون رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، متصورة صناعة محلية وحدها، تبلغ قيمتها حوالي 150 مليار دولار.

قامت شركات التكنولوجيا العملاقة المتداولة في الصين، بما فيها مجموعة علي بابا القابضة المحدودة وشركة بايدو، بضخ مليارات الدولارات في أبحاث الذكاء الاصطناعي وإنشاء مختبرات في الصين ووادي السيليكون، ما منحهم القوة، متفوقين على المنافسين العالميين في مجالات عدة، منها خوارزميات التجارة الإلكترونية والتعرف على الوجوه.

كما أن عدد السكان الضخم في الصين والبنية التحتية للمراقبة والمزيد من المواقف المتراخية بشأن حقوق الخصوصية يولّد كميات ضخمة من البيانات التي تتيح المجال لذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً من أي وقت مضى.

ولكن رغم أن الصين تساهم بأكثر أبحاث الذكاء الاصطناعي وتتقدم في بعض الفئات الفرعية المهمة للذكاء الاصطناعي، لكن عندما يتعلق الأمر بأبحاث الذكاء الاصطناعي العام، أو الذكاء الاصطناعي بقدرات تفكير بشري أوسع نطاقاً، فإن الشركات الأمريكية الكبيرة مثل ميكروسوفت وألفابيت غوغل، تتصدر الريادة بشكل واضح، حسب ما ذكره بول تريولو المحلل في الشؤون السياسية في شركة استشارات المخاطر يوراسيا جروب، إذ ينفق عمالقة التكنولوجيا الأمريكية مبالغ ضخمة على الذكاء الاصطناعي.

وتنتج الولايات المتحدة بعضاً من أفضل الأبحاث والمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، نظراً لما فيها من جامعات رائدة وشركات التكنولوجيا الثرية وانفتاحها على الأفكار والأشخاص من جميع أنحاء العالم.

الحساب الكمومي

الولايات المتحدة هي الرائدة العالمية الأبرز في بناء أجهزة الكمبيوتر الكمومية. وزعمت غوغل، العام الماضي، أن جهازها قد حقق «التفوق الكمومي» بالفعل، حيث أجرى حسابات لم تكن ممكنة، أو على الأقل غير عملية، على كمبيوتر كلاسيكي. وصمم علماء صينيون أجهزة كمبيوتر كمومية، لكنَّ المحللين يؤكدون بأنهم بحاجة لسنوات للحاق بالولايات المتحدة.

ومع ذلك، تتجاوز التقنية الكمومية أجهزة الكمبيوتر وتمتد إلى استخدام الخصائص الكمومية للتواصل بسرعة وأمان وهو المجال الذي تتمتع فيه الصين بالريادة.

يحمل جيان وي بان، لقب «الأب الكمومي» في الصين، ويقود جهود بلاده في مجال الاتصالات الكمية وأجهزة الاستشعار والرادار، أي جميع المجالات التي يمكن أن تكون لها تطبيقات عسكرية.

أطلقت الدولة عام 2016 قمراً صناعياً، يسمى Micius، يستخدم أشعة الفوتون في حالة كمومية تجعل الإرسال غير قابل للاعتراض، كما أنها تبني مختبراً ضخماً لعلوم المعلومات الكمومية في شرق الصين بكلفة 10 مليارات دولار.

وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تتصدر الحوسبة الكمومية، وتتصدر الصين الاتصالات الكمومية والتشفير، ومن الصعب التنبؤ بالمستقبل، لأن التطورات التي ستشكل الميدان ما تزال على بعد عقود من الزمن.

أشباه الموصلات

أنفقت الصين عشرات المليارات من الدولارات على مدى عقود، في محاولة للحصول على سبق في مجال أشباه الموصلات والمكونات الأساسية لأجهزة كمبيوتر وهواتف ذكية أسرع وأسلحة أكثر تطوراً.

وتشير الإحصاءات الصادرة عن اتحاد صناعة أشباه الموصلات، ومقره واشنطن العاصمة، إلى أن الصادرات الأمريكية من الشرائح إلى الصين بقيت على نفس المستوى لسنوات، وأن الشركات الصينية لم تحقق حصة سوقية هائلة، حتى على الصعيد المحلي. وحوالي 47.5% من الشرائح المباعة في الصين كانت أمريكية الصنع، اعتباراً من 2018، وفقاً لأرقام اتحاد صناعة أشباه الموصلات.

احتل جيران الصين مكاناً بارزاً لأنفسهم في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية، حيث أصبحت شركة سامسونغ للإلكترونيات الكورية الجنوبية، المزود الأساسي للهواتف الذكية والشرائح، وأصبحت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات أكبر شركة مصنعة للشرائح في العالم.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الصين متأخرة بـ5 إلى 7 سنوات عن الولايات المتحدة وتايوان، فيما يتعلق بتكنولوجيا الشرائح، ولكنها قد تستغرق وقتاً أطول للحاق بها. ففي الوقت الذي تكون فيه الصين قادرة على صنع شرائح تتنافس مع أفضل ما هو متاح اليوم، من المحتمل أن تكون بقية الصناعة قد حققت قفزة أخرى إلى الأمام.

ومع ذلك، فاجأت الصين المسؤولين الأمريكيين باستبدال الشرائح الأمريكية في العديد من الأجهزة الإلكترونية لشركاتها بمزيج من الشرائح المحلية التي تحصل عليها من شركات غير أمريكية، وأحدث هواتف هواوي، التي أُطلقت العام الماضي، لم تتضمن أي شرائح أمريكية.

وتركز استراتيجية الصين لأشباه الموصلات، على المدى القصير على تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وإيجاد بدائل أخرى غير صينية. ولكن على المدى الطويل، يعتقد العديد من مراقبي الصناعة أنها مسألة وقت، لأن استثمارات الصين الضخمة في صناعة الشرائح ستؤتي ثمارها أخيراً.

المركبات ذاتية القيادة

بدأت شركات وادي السليكون مثل شركة وايمو من غوغل وكروز من شركة جنرال موتورز في اختبار تكنولوجيا السيارات بدون سائق، ما يمنح الصدارة للشركات الأمريكية فيما يتعلق بأجهزة الاستشعار، مثل الكاميرات والرادار اللازمة لاكتشاف العوائق على الطريق، كما أن هيمنة الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات، تمنح الشركات الأمريكية ميزة في صنع الشرائح التي ستكون بمثابة عقل مثل هذه المركبات.

ذكرت شركة ماكينزي وشركاه في تقرير العام الماضي، أن الشركات الصينية كانت متأخرة بسنتين أو 3 عن المنافسين الدوليين في هذا المجال.

لكن على المدى الطويل، تستعد الصين للنهوض، لتكون كما هي الآن أكبر سوق للسيارات في العالم، وسيعطي عدد السكان الضخم في الصين، الشركات الصينية المزيد من البيانات التي يمكن استخدامها لتحسين تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة. كما أن الصينيين أكثر استعداداً لتجربة السيارات ذاتية القيادة، حيث ذكر 48% من الأمريكيين في استطلاع عام 2020 أجرته شركة ديلويت، أنهم يعتقدون أن المركبات ذاتية القيادة غير آمنة، ويعتقد 35% فقط من الصينيين الشيء نفسه.

إن تقدم الصين في البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس 5G يعني أن بإمكان شركات السيارات التابعة لها اختبار كيفية استخدام التقنية اللاسلكية لنقل البيانات وبيانات حركة المرور إلى السيارات، أو حتى التحكم عن بُعد في بعض الحالات.

ولكن حالياً، الريادة من نصيب الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسيارات ذات القيادة الذاتية.