السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

الرقائق وحرب الذكاء الاصطناعي

الرقائق وحرب الذكاء الاصطناعي

أُعلن عن انطلاق عصر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عام 2017 عندما هزم برنامج ألفاجو AlphaGo من جوجل اللاعب كي جيي Ke Jie، بطل العالم في جو Go، لعبة اللوح الصينية المعقدة. ولكن منذ ذلك الحين تراجعت الإثارة جراء الحرب التجارية التي تخوضها واشنطن وبكين، وانخفض تمويل الصين للشركات الناشئة جزئياً لأن الضجيج الأصلي للذكاء الاصطناعي فقد بريقه. مما يثير السؤال عما إذا كان الذكاء الاصطناعي - الذي يُعرّف على أنه خوارزميات تحاكي الذكاء البشري - يمكن أن يحقق إمكاناته ومتى؟ الإجابة حاسمة لأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح أكبر عطل يخل بموازين الصناعة، مما يهدد عشرات الملايين من الوظائف في آسيا مع تحول العمليات التجارية إلى الأتمتة. بالإضافة إلى ذلك، يعد الذكاء الاصطناعي موضوع التنافس الشديد بين الولايات المتحدة والصين.

في بعض المناطق، يظهر الذكاء الاصطناعي قوة طاغية. ففي الفلبين والهند، بدأت شركات مراكز الاتصال في استخدام الذكاء الاصطناعي للرد على المكالمات. وذكرت شركات مركز الاتصال أن إدخال برامج الدردشة الآلية التي يستخدم بعضها نفس التكنولوجيا التي يستخدمها جهاز أليكسا في أمازون، قد تسارعت خلال وباء كورونا. ويتوقع موهانداس باي، مستثمر تقني في الهند ومدير تنفيذي سابق في مجموعة Infosys، حدوث تحول في مراكز الاتصال بفضل الاعتماد على "المزيد من الذكاء الاصطناعي والمزيد من برامج الدردشة الآلية والمزيد من الأتمتة."

وفي اليابان، يستخدم صانعو مستحضرات التجميل مثل كاو Kao الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات تجميل شخصية. إذ تعمل كاو مع شركة Preferred Networks، في طوكيو، لجمع البيانات حول الخصائص الجزيئية المتغيرة للبشرة، وتخطط لاستخدام هذه البيانات لمساعدة العملاء على اختيار المنتجات المناسبة لمنع تلف البشرة.





ويستخدم الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء آسيا في الخدمات المالية للتأكد من الجدارة الائتمانية للعملاء ووضع توقعات الاستثمار وتنبيه المؤسسات لاحتمال الاحتيال. على سبيل المثال، تستخدم شركة CashShield، وهي شركة ناشئة في سنغافورة، خوارزميات لتحليل المقاييس الحيوية والتعرف على الأنماط لمساعدة الشركات في إدارة مخاطر الاحتيال.

وفي الصين، القوة العظمى للذكاء الاصطناعي في المنطقة، لم تنشر التكنولوجيا فقط في أنظمة التعرف على الوجه التي تدعم عمليات المراقبة، بل أيضاً في قطاعي الصحة العامة والتأمين. وبدأت شركة Ping An للتكنولوجيا، وهي شركة تابعة لـمجموعة Ping An للتأمين، تعاوناً عام 2017 مع المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها في مدينتي تشونغتشينغ وشنتشن. وقد وفرت السلطات 20 مليون سجل صحي لمساعدة مؤسسة Ping An على استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتفشي الإنفلونزا والأمراض الموجودة الأخرى بناءً على البيانات الموجودة.

يبدو أن مثل هذه التطبيقات الواسعة تعطل الصناعات على نطاق واسع، مما دفع معهد ماكينزي العالمي، الذراع البحثي للاستشارات، للتنبؤ عام 2017 بأن التكنولوجيا يمكنها أتمتة نصف أنشطة العمل في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين. ويقدر معهد ماكينزي العالمي أن مثل هذه الوظائف تولد أكثر من 900 مليار دولار من الأجور السنوية.

على الرغم من الاضطراب المتوقع، فقد تأرجحت آراء الحكومات في المنطقة وراء الجهود المبذولة لتطوير صناعات الذكاء الاصطناعي، معتبرة أنه يجب عليها الحفاظ على القدرة التنافسية لتجنب تعرض اقتصاداتها لصدمة من قبل آخرين في المنطقة. ومن المؤكد أن طموحات الصين تفوق بكثير طموحات الدول الآسيوية الأخرى. حددت خطة الصين لتطوير الذكاء الاصطناعي من الجيل التالي، التي نُشرت عام 2017، استراتيجية لتصبح رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال صناعة ذكاء اصطناعي محلية بقيمة 150 مليار دولار تقريباً بحلول عام 2030. وقدمت السلطات في جميع أنحاء البلاد التمويل والبيانات والدعم الإداري لشركات الذكاء الاصطناعي الواعدة. والنتيجة هي أن الصين أحرزت تقدماً نحو هدفها لعام 2030. من بين أكثر من 12 شركة صينية أحادية القرن في مجال الذكاء الاصطناعي - وهي شركات ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار - فإن العديد منها رواد في تقنيات معينة.

ولكن المجال الرئيسي لمنافسة الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين في المستقبل، سيكون غالباً في مجال صناعة أشباه الموصلات. حيث تتطلب رقائق الذكاء الاصطناعي بشكل عام درجة عالية من التخصيص لتصبح المهام محددة بشكل تدريجي. وتعد شركات الرقائق الأمريكية إلى جانب الشركات الموجودة في تايوان وكوريا الجنوبية أكثر تقدماً في هذا من نظيراتها الصينية. وذكر تقرير نشرهMacroPolo ، مركز أبحاث داخل معهد بولسون ومقره شيكاغو أنّ: "المنتجون الصينيون لا يفتقرون إلى المعرفة الحيوية الخاصة بتصنيع الرقائق عالية الجودة وحسب، بل إن ارتفاع الحواجز بين صناعات أشباه الموصلات الأمريكية والصينية يعني أن الجغرافيا السياسية يمكن أن يكون لها تأثير دائم على التطور المستقبلي لرقائق الذكاء الاصطناعي في الصين".

في النهاية، قد يعتمد ما إذا كانت الصين في طليعة الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 على العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ومدى تشديد واشنطن للعقوبات التجارية على رقائق الذكاء الاصطناعي.