الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التكنولوجيا تنقذ صناعة «الموضة» في زمن كورونا

أدى الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد إلى حظر التجمعات في غالبية دول العالم، وتأثرت العديد من الصناعات والأعمال في مختلف المجالات بهذا القرار، ومن بينها صناعة «الموضة» التي كان محورها الأساسي عروض الأزياء لإطلاق التصميمات الجديدة، وفي محاولة لإنقاذ الوضع تتجه الصناعة بسرعة لاستخدام التكنولوجيا للحد من الخسائر. قبل كورونا، كان رواد الموضة والأزياء يتحركون على استحياء لتنفيذ نماذج العروض الرقمية التي توفر الكثير من التكاليف، وتضمن الوصول لقطاع أوسع من الجمهور، لكن هذه الخطوات المتواضعة اكتسبت أهمية فائقة خلال الظروف الحالية، الأمر الذي يعلق عليه رئيس قطاع الابتكار في كلية لندن للأزياء، ماثيو درينكووتر، بالقول: «بدأ الناس في التساؤل عن أهمية العروض التقليدية وكلفتها العالية في الوقت الذي تتوافر التكنولوجيا التي تسمح بالوصول إلى قطاع أوسع من الجمهور عبر الفضاء الرقمي».

فالظروف العالمية الحالية أدت إلى تأجيل أسابيع الموضة للرجال في نيويورك، ولندن، وباريس، بينما قرر المصممون الإيطاليون نقل عروض الرجال لتنضم إلى عروض النساء التي تستضيفها مدينة ميلانو في شهر سبتمبر المقبل، وهو القرار الذي اتخذه أسبوع الأزياء الراقية المخططة في شهر يوليو بالعاصمة الفرنسية، باريس، وهكذا بدأت بيوت الموضة في استكشاف العديد من خطط الطوارئ المختلفة لإنقاذ الصناعة.

ويقول مؤسس شركة «ذا فابريكانت» التي تعتبر إحدى دور الأزياء الرقمية كيري ميرفي: «لا يوجد شكل قياسي محدد للعمل في الفضاء الإلكتروني، ولا يمكن أن يجادل أحدهم بالقول إن أسبوع أزياء الموضة الرقمي يجب أن يكون بهذا الشكل أو غيره، ولا توجد إجابة نموذجية واحدة لهذا الأمر، فالعرض الرقمي يمكن أن يأتي بأي شكل، وكل ما تحتاج إليه الصناعة أو الجمهور أن يكون الأمر مبتكراً ومبدعاً»، مضيفاً: «هذا العمل جديد تماماً، والأمر يتعلق بكيفية استخدام جميع القنوات الرقمية المتاحة، وكيفية ربطها معاً».


أسبوع الموضة في شنغهاي اتخذ زمام المبادرة بعد التأكد من عدم القدرة على الاستمرار بالطريقة التقليدية، حيث كشف المنظمون عن أول إصدار رقمي من الحدث، والذي يعتمد بشكل أساسي على البث المباشر للموديلات والنماذج الجديدة، وأساليب البيع التي تشبه قنوات بيع المنتجات التلفزيونية التقليدية، والمناقشات حول اتجاهات الموضة الجديدة.


أما أسبوع الموضة في هلسنكي بفنلندا، والذي يطمح للنجاح والاستمرار، فقد أعلن أن دورته الثانية في أواخر يوليو المقبل سوف تنتقل إلى الفضاء الإلكتروني، وأنها ستتضمن تجربة الواقع الافتراضي.

وبينما يؤكد خبراء التكنولوجيا أنه لا توجد حدود تقريباً للإبداع مع القدرات الرقمية المختلفة التي يشهدها العالم حالياً، إلا أن غالبية ماركات الأزياء الشهيرة لا ترغب في المخاطرة الكبيرة، ومن المرجح أن تركز على أبسط الحلول المتاحة مثل «البث المباشر» عبر الإنترنت.

ويعلق كيري ميرفي، المتخصص فيما يمكن تسميته «الملابس الرقمية»، حيث يمكن لزائر موقعه، القادر على خدمة 10 آلاف عميل، إنشاء صورة رمزية له بكل سهولة وتجربة الملابس المختلفة افتراضياً حتى يقتنع تماماً بمظهره قبل اتخاذ قرار الشراء، على تردد بيوت الأزياء في التجريب الواسع بالقول: «البث المباشر وحده هو مجرد خطوة صغيرة للغاية تجاه عملية الرقمنة في الصناعة».

بينما يقترح «درينكووتر» إضافة تقنيات الواقع المعزز إلى البث الحي لتعزيز الواقعية في عروض الأزياء، وفي الحقيقة قامت كلية لندن للأزياء بتطبيق هذه التقنية في العام الماضي وقبل أزمة كورونا، فخلال العرض الخاص بهم وقبل أن تخطو عارضات الأزياء إلى منصة العرض وقفوا أمام شاشات خضراء وتم بث العرض بطريقة حية على مستوى العالم للمشاهدة من خلال أي جهاز رقمي متاح.

وبهذه الطريقة تمكن المشاهدون من متابعة العارضات وأحدث خطوط الموضة من أي مكان يتواجدون فيه، سواء كانوا في الشارع أو في غرفة المعيشة أو المطبخ.

وفي مقابلة صحفية، قال درينكووتر: «قمنا بهذه التجربة بشكل محدود ومغلق، للبث على عدد قليل من الأجهزة، ولكن التجربة صالحة للتطبيق على مستوى ملايين المشاهدين حول العالم، خاصة مع السرعات الهائلة للإنترنت التي توفرها شبكات الجيل الخامس للمحمول».

ويرى ميرفي أن المساحات الرقمية المتاحة حالياً تسمح بالحرية الكاملة لإعادة التفكير في شكل ومظهر جميع القنوات الرقمية المرتبطة بالملابس، مشيراً إلى أن تجربة التجارة الإلكترونية الحالية «مملة» بصرياً، حيث تظهر الملابس بطريقة مسطحة على صفحات البيع، ولكن من خلال دمج التقنيات الجديدة من الممكن تخيل تجربة شراء تشبه مشاهدة عرض الأزياء الحقيقي، أو تجربة قطعة الملابس بالأبعاد الثلاثية، الأمر الذي يعني المزيد من اندماج العميل في التجربة وبالتالي ارتفاع نسب اتخاذ قرار الشراء.

ومع ذلك يشدد ميرفي على أن التجربة الرقمية لن تستبدل متاجر البيع الواقعية أو تجربة الشراء التقليدي، ولكنها ستمثل قيمة مضافة لما يحدث حالياً وتحولاً جوهرياً في الأساليب التي اعتاد عليها الناس.

التطور لن يتعلق فقط بالعروض الرقمية للأزياء، ولكنه سيصل إلى عارضات الأزياء أيضاً، خاصة مع ظهور أول عارضة أزياء رقمية، والتي حملت اسم «شودو» وقام بتصميمها كاميرون جيمس ويلسون، وهو مصور فوتوغرافي أسس شركة للتصميمات الرقمية بهدف تقديم عارضات رقميات لبيوت الأزياء بدرجة واقعية عالية.

ويقول ويلسون: «جاءت جائحة كورونا لتكون جرس إنذار لصناعة الموضة التي كانت بحاجة فعلية للتغيير، فبينما كان الجميع يتحدث حول ثورة النماذج ثلاثية الأبعاد، كانت صناعة الموضة بطيئة للغاية في احتضانها، ولكن الوقت حان لتسريع تلك الخطوات».

ورغم الضغوط الحالية، إلا أن ويلسون يعتقد أن صناعة الأزياء لا تزال على مسافة تصل إلى 5 سنوات قبل الاحتضان الواسع لطرق التصميم والعرض ثلاثية الأبعاد، وكذلك استخدام النماذج الرقمية، خاصة أن استخدام التقنيات الرقمية الحالية ليست أسهل ولا أرخص من الطرق التقليدية، ولكن من يرغب في الاستثمار بالمستقبل والحفاظ على الريادة بين المنافسين فعليه أن يبدأ في استخدام تلك الأساليب على الفور.

عمليات تصميم الأزياء نفسها في طريقها للتحول إلى الشكل الرقمي، ففي الوقت الحالي يعمل الطلاب بكلية لندن للأزياء على استخدام برامج تصميم ثلاثية الأبعاد لتصميم خطوط الموضة رقمياً، الأمر الذي يعتقد معه الخبراء أن الاعتماد الواسع على هذه التقنيات في المستقبل القريب سوف يؤدي إلى تحول هائل في الصناعة، ويقول درينكووتر إن المزايا التي توفرها برامج التصميم ثلاثية الأبعاد لا يمكن للصناعة أن تتجاهلها، خاصة أن طرق التصميم التقليدية ينتج عنها الكثير من هدر الموارد.

وترى إيفيلين مورا، مؤسسة أسبوع الموضة في هلسنكي، أن صناعة الأزياء سوف تستغرق بعض الوقت لتتعلم كيف تتفاعل بشكل فعال مع التكنولوجيا الحديثة والصناعات الرقمية، خاصة أن هناك الكثير من الحواجز بين الصناعتين، حيث يستغرق الأمر الكثير من الوقت لإنشاء صورة رمزية رقمية، أو تحويل عناصر الصناعة التقليدية إلى الإطار الرقمي بجودة عالية، خاصة أن شركات الأزياء تنشد الكمال في عملها ولا تعتمد على التجربة والفشل والمضي قدماً كما تفعل شركات التكنولوجيا.