الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تكنوميديا.. «بيزنس» نظريات المؤامرة

كتب: إيهاب الزلاقي

من المؤكد أن أي متابع للمحتوى المتداول على منصات التواصل الاجتماعى منذ ظهور فيروس كورونا، لاحظ انتشار نظريات المؤامرة حول أصل الفيروس ومعظم المعلومات المرتبطة به، وتتكاثر هذه النظريات بأعداد مذهلة مثل الأعشاب الضارة. وربما تكون أشهر النظريات المتداولة هي أن الفيروس وصل إلى البشر عن طريق الخفافيش، أو حيوان آكل النمل، لكن الأبحاث العلمية الحقيقية شكَّكت في جميع هذه النظريات السائدة، بما في ذلك أن سوق مدينة ووهان للحيوانات هو المصدر الأساسى لانطلاق كورونا.

لكن الحقائق، والأخبار الموثقة، لا تمنع دعاة ومنظري نظريات المؤامرة من احتلال الشبكات الاجتماعية للترويج لما يسمونه «الحقيقة» وراء الفيروس، وواحدة من أكبر النظريات الخيالية في هذا الإطار هي أن الفيروس يرتبط بتكنولوجيا الجيل الخامس 5G للاتصالات، وأنه خلال فترة الحظر العالمي كانت أبراج الاتصالات للتكنولوجيا الجديدة يتم تثبيتها فى كل مكان بعيداً عن الرقابة الشعبية!


لا يتوقف مروجو نظريات المؤامرة عن الأسئلة البديهية مثل كيفية نشر التكنولوجيا لفيروس مرضي، ووفقاً للمؤامرات الرائجة على شبكات التواصل، فإنه لا يوجد فيروس من الأساس، وأن الصور المتداولة حول المرضى وامتلاء المستشفيات بالمصابين هي جزء من خدعة كبيرة يريدون للعالم تصديقها، وأن الأعراض التي يشعر بها الناس في أنحاء العالم هي نتيجة لتقنية 5G وليس أي شيء آخر!


المدهش في هذه الظاهرة، أن الأمر لا يتوقف على مجموعة من أصحاب الأفكار المغرقة فى الخيال، لكنه يتجاوز ذلك إلى أن تلك النظريات في حقيقة الأمر تحقق الكثير من الأرباح المالية المباشرة التي تصب في حسابات الكثير من الشركات والأفراد، بما يجعل بعض نظريات المؤامرة عبارة عن «بيزنس» يحقق مكاسبه من مخاوف البشر.

وعلى الرغم من الإجراءات المتعددة التي اتخذها «يوتيوب» وفيس بوك وباقي المنصات الاجتماعية لمكافحة انتشار المعلومات المضللة والنظريات الخيالية في زمن «كورونا»، وأيضاً ضد الحسابات التي تروج لهذه النظريات بإيقاف بعضها وحذف آلاف المنشورات، التي تتضمن معلومات مغلوطة إلا أن الأرباح التي تحققها تلك الحسابات يجعل الأمر شديد الصعوبة.

وفي محاولة كشف بعض ملامح هذا «البيزنس»، نشرت صحيفة «برس غازيت» الإنجليزية تحقيقاً مطولاً عن ديفيد أيكي، كواحد من أشهر نماذج نجوم «نظريات المؤامرة» في فضاء الإنترنت، وهو المذيع السابق لشبكة BBC مع بداية التسعينيات قبل أن يبني أسطورته الشخصية باعتباره الصحفي المستقل، الذي يكشف المستور عن وسائل الإعلام التقليدية، ويصدر مجموعة من الكتب التي تتناول العديد من النظريات المغرقة في الخيال، لكن هذه الكتب باعت الملايين من النسخ ووُضعت في حساب المؤلف الملايين من الجنيهات الاسترلينية.

ويكشف التحقيق الصحفي أنه خلال السنوات الأخيرة، حقَّق داعية نظرية المؤامرة الكثير من الأموال من خلال قناته على «يوتيوب»، التي بلغ عدد المشتركين فيها ما يقرب من 900 ألف مشترك قبل أن توقفها شركة «غوغل» مؤخراً بسبب ترويج الأخبار الكاذبة، لكن تقديرات الخبراء تقول إن الرجل كان يربح ما يقرب من 200 ألف دولار أمريكي سنوياً من خلال هذه القناة.

وبالإضافة إلى «يوتيوب» كان الرجل يمتلك صفحة نشطة للغاية على «فيس بوك» قبل أن تقرر الشركة إزالتها بدعوى الترويج للأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة، لكن بينما اختارت الشركات حذف حساب الرجل على منصاتها، استمرت الصفحة الرسمية الموثقة على «تويتر»، التي تضم أكثر من 300 ألف متابع.

أحد الأمثلة الأخرى على «بيزنس» مواقع «نظريات المؤامرة» موقع يُسمى «لندن ريل» أسسه أحد المضاربين السابقين فى البورصة، لكن شهرته الحقيقية جاءت عبر قناة يوتيوب الموثقة التي نجحت في اجتذاب 1.85 مليون مشترك، وهو الرقم الذي يتجاوز العديد من قنوات الصحف ووسائل الإعلام الشهيرة مثل «ديلي مايل» و«تيلغراف» وغيرها، الأمر الذي يوضح مدى التأثير الواسع لمثل هذه القناة، التي تحقق إيرادات من الإعلانات فقط تصل إلى 260 ألف دولار سنوياً.

الأسوأ من ذلك، أن «لندن ريل» استضاف خلال الشهور الماضية مجموعة كبيرة من «نجوم» نظريات المؤامرة فى سلسلة من الحوارات حول كوفيد-19، التي حفلت بالعديد من الأفكار الغريبة مثل الضرر الفادح، الذي يصيب البشر عند ارتداء الكمامة الواقية، وخلال تلك الحوارات تمكن الضيوف من إقناع قاعدة مؤيديهم بالتبرع بنحو 1.25 مليون دولار لمصلحة إنشاء منصة إلكترونية جديدة لترويج هذه الأفكار تحمل اسم «منصة الحرية الرقمية».

ولا يتوقف الأمر عن الأرباح من القنوات الإلكترونية، لكنه يتجاوزها إلى ترويج العديد من المنتجات بدعوى الحماية من الموجات الضارة، والتي تحقق أرباحاً بالملايين رغم عدم جدواها فى الحقيقة، مثلاً، إحدى الشركات التي تعمل داخل إنجلترا، اجتذبت اهتمام معتنقي نظرية مؤامرة 5G عندما أعلنت عن إصدار جهاز عبارة عن شريحة USB يمكن شراؤها بمبلغ 283 جنيهاً استرلينياً، وادَّعت أن الجهاز مزود بـ«تكنولوجيا النانو ثلاثية الأبعاد القادرة على خلق درع بيولوجي حول الشخص أو المنزل لحمايته من أضرار أشعة الجيل الخامس».

وتقول منشورات الترويج للمنتج على الإنترنت، إنه يعمل على «موازنة الذبذبات الكهربائية غير المتوازنة»، التي تنشأ عن الضباب الموجي من أشعة الأجهزة الإلكترونية، خصوصاً التي تستخدم تقنيات الجيل الخامس، لكن الاختبارات التقنية المحترفة أثبتت أن هذا المنتج ليس أكثر من مجرد شريحة ذاكرة USB عادية بسعة 128 ميغابايت مع ملصق خاص عليها، التي لا يتجاوز سعرها في السوق أكثر من 5 جنيهات استرلينية، كما أن الشركة المنتجة رفضت الإجابة على أسئلة الإعلام حول تفاصيل المنتج الذي تبيعه أو إذا كانت هناك أوراق بحثية أو براءة اختراع تثبت ما يقولون بأن الشريحة تفعله.

المزعج فى الأمر، أن هذه الشركة هي نموذج بسيط استرعى انتباه وسائل الإعلام، لكن أي عملية بحث سريعة على غوغل ستظهر أن هناك المئات من الشركات الشبيهة، التي تقدم منتجات تهدف بالأساس إلى خداع الجمهور استناداً لنظريات المؤامرة رائجة الانتشار.

هناك أيضاً شركة تسمى «إي إم إف بروتيكشن»، التي تعرض للبيع مجموعة واسعة النطاق من المنتجات التي تدعي أنها توفر الحماية من الإشعاعات الضارة، بداية من نوافذ الحماية مروراً بأغطية السرير الآمنة ونهاية بطلاء الحوائط الذي يوفر الحماية، ولا توضح الشركة مطلقاً كيف تعمل هذه المنتجات ولا ماهية الطرق المستخدمة فى الحماية، إلا فيما يتعلق بدهان الحوائط الذي يبدو أنه يمتلك أساساً علمياً.

فمن خلال مزيج من ألياف الكربون وجزيئات الغرافيت يقوم الطلاء بالفعل بحجب أشعة الاتصالات بنسبة تصل إلى 99.99%، لكنه لا يفعل هذا الأمر مع موجات الجيل الخامس فقط، لكن مع جميع موجات الاتصالات الهاتفية وأيضاً موجات الشبكات اللاسلكية WiFi.