الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مستقبل الإنترنت.. 3 شبكات مختلفة

مستقبل الإنترنت.. 3 شبكات مختلفة

لا يتوقف الحظر الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً على تطبيقي «تيك توك» و«وي شات» الصينيين عند الآثار الاقتصادية المرتبطة بالحرب التجارية المشتعلة بين الدولتين فقط، ولكنه يعيد إلى الواجهة أيضاً المخاوف من انهيار شبكة الإنترنت الموحدة التي يعرفها العالم إلى مجموعة من الشبكات شبه المستقلة، خاصة وأن المعركة التجارية والتقنية التي تدور بضراوة بين الولايات المتحدة والصين تهدد بالمزيد من الانقسام في العالم الرقمي على طول الحدود بين الدول.

ومنذ عامين تقريباً، تنبأ إريك شميدت، رئيس شركة «ألفا بت» المالكة لشركة غوغل، أنه في غضون السنوات العشر أو الـ15 المقبلة، من المرجح أن تنقسم شبكة الإنترنت الدولية إلى شبكتين كبيرتين، إحداهما بقيادة الصين والأخرى بقيادة أمريكا.

تصورات «شميدت» لم تبتعد كثيراً عن الواقع، ولكنها تجاهلت محوراً آخر من محاور انقسام الإنترنت، وهي الشبكة الأوروبية، التي تتشكل كشبكة مستقلة هي الأخرى انطلاقاً من تشريعات من شأنها أن تجعل المحتوى الأوروبي عبر الإنترنت يختلف كثيراً عن المحتوى في باقي أرجاء الشبكة، الأمر الذي يعني أن مستقبل شبكة المعلومات الدولية ربما ينتهي إلى 3 شبكات مختلفة.



ويرى العديد من خبراء التكنولوجيا أن شبكة الإنترنت لم تكن في يوم من الأيام موحدة ومترابطة، وأن الحديث عن الإنترنت الموحد هو في حقيقة الأمر حديث عن تاريخ هيمنة الولايات المتحدة على الشبكة من خلال الشركات الأمريكية الكبرى التي قامت بنشر القيم الأمريكية في أركان الشبكة.


وكانت الفكرة السائدة عالمياً هي أن شبكة الويب الموحدة غير المحدودة تعزز قيم الديمقراطية والحرية من خلال التدفق الحر للمعلومات، ولكن من جانب تستمر سيطرة الصين الصارمة داخل حدودها التي تصنع شبكة شبه مستقلة عن الشبكة العالمية، ومن جانب آخر يظهر أحد الجوانب المظلمة في عملية ربط الناس بعضهم البعض من خلال انتشار المعلومات الزائفة والمضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن الواضح أن المعايير والقواعد والقوانين المختلفة بشكل كبير من الممكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى انفصال واقعي لمناطق مختلفة في الشبكة، ومهما كانت الاختلافات والدوافع كبيرة بين لائحة حماية المعلومات والبيانات الشخصية التي يعمل الاتحاد الأوروبي على إقرارها بشكل نهائي، وبين نظام الرقابة الصيني الذي يطلق عليه الخبراء اسم «سور الحماية العظيم» إلا أن اللوائح والمعايير التي تعمل بها الفضاءات الكبرى الثلاثة: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي توسع الفجوة بينها.

وبالإضافة إلى ذلك، يشهد العالم حالياً عمليات متزايدة للسيطرة على مواقع البيانات الفعلية وعدم السماح بوجود مراكز البيانات خارج حدود كل الدول، ولذا نشهد تسارعاً في إصدار القوانين المحلية المرتبطة بتوطين البيانات حيث يسود مصطلح «البيانات هي بترول المستقبل»، الأمر الذي يشكل أيضاً أساساً لحدوث انقسام في شبكة الإنترنت.

مشروع القانون الذي ظل الاتحاد الأوروبي يناقشه طويلاً وسط ضغوط واعتراضات من العديد من الجهات يتضمن عدة مواد مثيرة للجدل يرى الخبراء أنها ستؤثر بشكل عنيف على الإنترنت كما نعرفها، ومن أبرز هذه البنود المادة 11 والتي تتيح للناشرين فرض رسوم على المنصات مثل غوغل عند قيامها بعرض مقاطع من محتوى الناشرين، بينما تضع المادة 17 (في أحدث تعديل لنسخة القانون) على عاتق مواقع مثل يوتيوب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تحميل المحتوى المحمي بموجب قوانين الطبع والنشر.

وفي كلتا الحالتين، يقول النقاد إن القوانين حسنة النية سوف تؤدي إلى تعقيدات عميقة عند التطبيق، منها انتشار واسع لتقنية «المراجعة قبل التحميل» وهي تكنولوجيا ستفحص أي محتوى يقوم المستخدم برفعه على الإنترنت وستقوم بمنع نشر المواد التي ترى أنها محمية بموجب حقوق النشر.

وقد تختار غوغل مثلاً إغلاق خدمة الأخبار الخاصة بها في أوروبا لتجنب جميع المشاكل المرتبطة بتطبيق اللوائح الجديدة، وهذه الخطوة لن تكون مستغربة خاصة أن الشركة الأمريكية فعلتها عام 2014 على مستوى إسبانيا التي اشترطت وقتها دفع رسوم للناشرين عن عرض مقتطفات المحتوى.

مشروع القانون نفسه أثار موجة من الغضب بين الجمهور، ووصل الأمر إلى نزول أكثر من 200 ألف شخص إلى الشوارع للاحتجاج على المشروع، بينما حققت عريضة لرفض عدد من البنود الخاصة به أكثر من 5 ملايين توقيع، ولكن غالبية المشرعين في البرلمان الأوروبي قاموا بالتصويت لصالح القانون في نهاية المطاف، ومن المتوقع دخوله حيز التطبيق خلال الفترة المقبلة.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن القوة الهائلة التي يمتلكها عدد محدود من المنصات والخدمات، إضافة إلى عدم الحماس العالمي في جهود التعاون المشترك تدفعنا أكثر وأكثر في اتجاه الإنترنت المنقسم، ولكن الأهم من ذلك كما يرى الخبراء أن تلك الشركات القوية لا تحاول اتخاذ أي إجراء ضد الانقسام، بل على العكس من ذلك تبدو غالبية الشركات العملاقة وكأنها مستعدة لترسيخ وجود شبكات منقسمة.

وبينما تدفع التشريعات والرغبة في السيطرة الحكومات نحو الإنترنت المنقسم، يرى الخبراء أن الشركات الكبرى التي تشكل جزءاً كبيراً من شبكة الإنترنت لا تسعى إلا لتوسيع عملياتها، وأنه إذا كان مستقبل الإنترنت حرباً ثلاثية باردة فإن شركات «وادي السيليكون» ستركز على تحقيق الأرباح من العوالم الثلاثة جميعاً.