الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

حزمة اشتراكات الميديا تقود ثورة «أبل» في الإعلام

يمكن القول إن يوم الخامس والعشرين من مارس الماضي يمثل مرحلة غير مسبوقة في سوق الإعلام التليفزيوني والمقروء أيضاً، وهي مرحلة ستكون لها تداعيات ضخمة على هذا السوق خلال الفترة المقبلة، ففي ذلك اليوم أعلنت شركة أبل عملاق التقنية عن إطلاق مجموعة متكاملة من حزم «الاشتراكات» في مجالات الميديا المختلفة، وهو الإعلان الذي يمثل خطوة جديدة في مجال المنافسة الضارية بين عدد من كبار اللاعبين في هذا المجال، وهو الأمر الذي يحتاج أن ننظر إليه عن قرب.

يأتي هذا الإعلان كنقطة تحول هائلة فيما تقدمه الشركة التي اشتهرت بتقديم مجموعة متنوعة من الأجهزة المبتكرة، ومن أشهرها جهاز موبايل Iphone، ولكن يبدو أن تراجع مبيعات هذه الأجهزة في الفترة الأخيرة دفع الشركة للتركيز على ما أسمته «حزم الاشتراكات في المحتوى»، والتي قال عنها الرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك: «نحن نعلن اليوم تقديم مجموعة من الخدمات ذات المستوى العالمي» والتي تتوقع الشركة أن تحقق أرباحاً مالية أضخم بكثير من المسارات السابقة.

أولى هذه الخدمات هي خدمة بث الفيديو التي حملت اسم Apple TV+ ومن خلال هذا التطبيق سوف يتمكن المستخدم من الاشتراك في عدد من الخدمات التليفزيونية الترفيهية الشهيرة مثل HBO وStarz وغيرها، إضافة إلى الحصول على الكثير من المحتوى الرياضي وبرامج المنوعات عبر مزودي المحتوى المشتركين بالفعل في خدمة Apple TV، وتضم الحزمة الجديدة أيضاً ما أطلقت عليه الشركة «قنوات تليفزيون أبل» والتي ستكون متاحة اعتباراً من شهر مايو المقبل.


عند الاشتراك في تلك الخدمة، سيتمكن المشترك من الوصول لمحتوى القناة عبر تطبيق أبل بدلاً من الوصول عبر تطبيقات القنوات المختلفة كما يحدث في الطريقة التقليدية، ومن بين هذه القنوات HBO وشوتايم وستارز وCBS وقناة متحف سيموثيان وغيرها، ولم تعلن أبل عن رسوم الاشتراك في هذه الخدمة حتى الآن.


الجديد في هذا الأمر، إعلان الشركة أنها ستقوم بإنتاج محتوى ترفيهي خاص وحصري للعرض عبر التطبيق، حيث تعاقدت الشركة مع 34 منتجاً لأعمال التليفزيون والسينما لإنجاز هذا المحتوى.

وتضمن حفل الإعلان ظهور مجموعة من كبار شخصيات هوليوود من المتعاونين مع أبل في هذا المسار، ومن بينهم المخرج الشهير ستيفن سبيلبيرج، وجينفر أنيستون، وأوبرا وينفري وغيرهم، ومن المتوقع أن تظهر تلك الخدمة خلال فترة الخريف المقبل، ولم تعلن الشركة أيضاً عن سعر الاشتراك.

ويتوافق تطبيق Apple TV+ مع أجهزة آيفون، وآيباد، وأجهزة تليفزيون أبل، والدعم لأجهزة كمبيوتر آيماك، إضافة إلى إمكانية العمل مع عدد من طرازات أجهزة تليفزيون سامسوغ وإل جي وسوني وفيزيو.

وفي مجال توزيع المحتوى الصحفي، أعلنت الشركة عن إطلاق خدمتها الجديدة Apple News+ والتي تتضمن إمكانية الوصول لمحتوى أكثر من 300 مجلة شهيرة باشتراك شهري موحد يبلغ 9.99 دولارات، والمثير أن بعض هذه المجلات تم تصميمها للاستهلاك عبر أجهزة الموبايل وتتضمن العديد من الخصائص التفاعلية التي تناسب العصر الرقمي مثل الأغلفة المتحركة أو التصميم التفاعلي، وسيتمكن المشترك من مطالعة العدد الجديد وكذلك الأعداد السابقة.

ولم تتوقف انطلاقات أبل عند هذا الحد، ولكنها أيضاً أعلنت عن إطلاق خدمة للاشتراك في خدمات ألعاب الفيديو حملت اسم Apple Arcade ومن خلال اشتراك واحد يمكن الوصول إلى أكثر من 100 لعبة فيديو جميعها منتجات حصرية لن تتوافر على أي منصة أخرى، وتسمح الخدمة أيضاً بإمكانية تنزيل الألعاب والاستمتاع بها دون ربط بشبكة الإنترنت، وتضم مجموعة منتجي الألعاب عدداً من الأسماء الشهيرة مثل كونامي وساجا وليغو، إضافة إلى عدد من إصدارات أساطير تصميم الألعاب الإلكترونية مثل «ويل رايت» مبتكر لعبة Sim City، وأيضاً لم تعلن الشركة عن سعر الاشتراك في هذه الخدمة.

ولاستكمال السيطرة على منصات توزيع المحتوى الجديدة، أعلنت أبل أيضاً عن إطلاق بطاقة ائتمانية جديدة من الشركة لاستخدامها في دفع الاشتراكات الرقمية وغيرها من المشتريات، وقالت الشركة إن هذه البطاقة سوف تتميز بالعديد من الخصائص التقنية المبتكرة مثل رصد جميع العمليات الشرائية المختلفة وتقديم رسم بياني للمستخدم تتيح له المقارنة بين عمليات الإنفاق خلال فترات مختلفة، مع وسائل تنبيه بمواعيد الاستحقاقات المقبلة، مع تصنيف المشتريات في مجموعات لسهولة حصرها، والاحتفاظ ببيان تفصيلي عن كل عملية مع ربطها بخرائط أبل ليعرف المستخدم المكان الذي استخدم فيه البطاقة بالتحديد.

وربما يكون أبرز ما تقدمه هذه البطاقة هي «نظام الجوائز» حيث تعيد الشركة للمستخدم نسبة من الأموال التي تم إنفاقها وذلك على أساس يومي، الأمر الذي يمثل حافزاً للاستمرار في عمليات الشراء، إضافة إلى إعلان الشركة أنها ستقدم أقل نسبة للفائدة بين جميع بطاقات الائتمان التقليدية، وتعاونت أبل مع بنك «غولدمان ساكس» في تقديم هذه الخدمة.

ويعلق الخبراء على هذه المجموعة الجديدة من الخدمات بأنها تمثل قفزة ضخمة في مجال توزيع المحتوى في جميع المجالات، وأن تداعياتها ستكون كبيرة على السوق خلال الفترة المقبلة، ففي البداية فإن خدمة المحتوى التليفزيوني سيمثل ضغطاً هائلاً على شبكة «نتفليكس» التي تسيطر على هذا السوق تقريباً، إضافة إلى توقعات بتأثر فادح في نسب الإنفاق على الإعلان التليفزيوني التقليدي، حيث سيزداد انصراف الناس عن متابعته، مع زيادة مستويات الإنفاق الإلكتروني خصوصاً مع إصدار البطاقة الجديدة، كما ستضم أبل مجموعة جديدة من المستهلكين تحت مظلتها وهي شريحة مدمني الألعاب الإلكترونية التي تمثل قطاعاً واسعاً من الشباب.

أما التأثير على مجال الميديا المطبوعة، فمن السابق لأوانه توقع ما سيحدث فيه، خصوصاً مع الناشرين الذين يمتلكون بالفعل منصات رقمية قوية، ومع ذلك اتجهوا لمشاركة أبل في منصتها لتوزيع الأخبار بحثاً عن المزيد من الانتشار، ويبقى السؤال: هل تمثل هذه المنصة فرصة لزيادة العائدات للناشرين في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة؟ وهو سؤال لن يجيب عنه إلا الزمن.