السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

حروب اللغة

حروب اللغة
أن تكون قتيل اللغة وتقدم دماءك لأجلها ولأجل ما تعنيه من حق إنساني أصيل .. هو ما جسدته أحداث خالدة سجلت في ذاكرة البنغاليين بعدما فرض رئيس باكستان في عام 1948 محمد علي جناح، الأوردو كلغة وطنية، وحينها اعترضت باكستان الشرقية وهي بنغلاديش بتشكيل حركة شعبية كبيرة، ولأن اللغة هي جزء من كيان أي فرد وأداة للتواصل والتعبير عن الأفكار والاحتياجات قام مجموعة من طلبة جامعة دكا بتحريك مظاهرة للاعتراف بلغتهم الأم البنغالية، ما أدى إلى مصرع خمسة منهم بعد أن فتحت عليهم الشرطة النار في عام 1952.

وفي 26 مارس 1971 انفصلت بنغلاديش عن باكستان، وسجل ذلك الحدث في ذاكرة أبنائها ممن نظموا القصائد وأخرجوا الأفلام وطوعوا الأدب لتحقيق رغبتهم تلك .. وقد دعت بنغلاديش اليونيسكو إلى تخليد تلك الأحداث فولدت فكرة اليوم العالمي للغة الأم منذ عام 1999 لتصادف الـ 21 من فبراير.

كذلك لنا في عالمنا العربي قصص تاريخية عديدة حول تمسك العرب بلغتهم أمام سياسات الاستعمار والإمبراطوريات ومنها العثمانية التي حاول بعض خلفائها فرض سياسة التتريك لتحل مكان العربية في دول كالشام ومصر وغيرها، فجوبهت بمقاومة كبيرة من القوميين والعروبيين، ما عزز رفض منهج الخلافة في تلك الدول.


إذاً تعد اللغات من الأدوات الأكثر قوة فهي التي تحفظ وتطور تراثنا المادي واللامادي، كما تسهم اللغات الأم التي يطلق عليها المحليّة وبالأخص لغات الأقليّات والشعوب الأصيلة في نقل الثقافات والقيم والمعارف التقليديّة وبالتالي تساعد في تعزيز مستقبل مستدام.


وتقول اليونيسكو أن ما لا يقل من 43 في المئة من اللغات المحكية حالياً في العالم والبالغ عددها 7000 لغة معرضة للاندثار .. ولنا أن نتخيل كم تحويه تلك اللغات من معارف وتراث ثقافي وموروث فكري وتقاليد سيمحوه الزمن .. والخطر أكبر في ظل العولمة والرقمنة!

وإن تحدثنا عن محيطنا الخليجي سنلمس كم يفتخر أبناء هذه المنطقة بلسانهم ولهجاتهم المحلية، ولعل لنا في دولة الإمارات أمثلة عدة من شاعر المليون بأبوظبي إلى مبادرات إحياء التراث اللفظي بدبي، وصولاً إلى الشارقة عاصمة الثقافة بمهرجانها للشعر النبطي ودعمها حاكمها لمبادرات بيوت الشعر في الوطن العربي، فضلاً عن مشروع سموه إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الأضخم، كما نرى العديد من الإصدارات الأدبية والمقروءة إلى جانب غيرها من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تحاكي هذه الحاجة في حفظ التراث والتاريخ الشفاهي ونقلها للأجيال المتعلقة بلغة الآخر.

ولأن اللهجات العامية مستقاة أساساً من اللغة العربية الأم، فقد أفرز ذلك مشكلات معاصرة حول تأثير كل منهما في الأخرى واستخدام اللغة الدارجة في التدريس والإعلام حتى أن بعض الإذاعات عمدت لتقديم نشرات أخبارها باللهجات العامية عكس العرف السائد، ما دفع الغيورين على اللغة الفصحى إلى إطلاق نداءات تعيد للأخيرة مجدها وهيمنتها بين لغات العالم .. لتبقى عروس اللغات وأغناهم ويسود استخدامها في نطاقاتها المحددة إجماعاً كالتي ذكرتها سابقاً (التعليم والإعلام).

[email protected]