الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عن أيّ عقول يتحدثون؟!

اشتكت الولايات المتحدة، في تقرير مشترك لمؤسستي «مابلايت» و«معهد المستقبل» بعنوان «مبادئ وسياسات مكافحة خداع السياسات الرقمية»، من محاولات زعزعة ديمقراطياتها عبر التلاعب الرقمي والتضليل الإعلامي، يقوم بها عدد من الفاعلين الدوليين، من بينهم روس وإيرانيون، واقترح التقرير الصادر في 11 فبراير الماضي، 34 إجراء لمواجهة التهديدات الكبيرة التي قد تطال الديمقراطية الأمريكية، ومن بين الأساليب التي تحدث عن ضرورة التصدي لها: السيطرة على البيئة الرقمية، والتحكم في الروبوتات السياسية، وتجنب المَصْيدات المختلفة (trolling).. الخ، مستشهداً خاصة بما حدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2016.

هذه أكبر دولة في العالم، ومُنشِئة الإنترنت ذاتها، منذ عهد أربانات سنة 1969، تشتكي من تهديد خارجي!، وهذه أكثر البلدان ديمقراطية وأقواها من حيث البناء المؤسساتي تخاف من زعزعة استقرارها، وتضبط السياسات المضادة والاستباقية لتمكين نفسها من الاستمرار في هذا المعارك الضارية!

ما الذي نقوله نحن، في هذه الحالة؟ وما الذي علينا فعله، وأي التقارير والدراسات علينا ان نُعِد لرسم سياسات استباقية في مجال الحماية من التلاعب الجديد بالعقول والدول وحتى الشعوب؟


ألقيت منذ أكثر من سنتين محاضرة بعنوان «حرب العقول القادمة» تعليقاً على كتابٍ للإيطاليين (ماركو ديلالونا، وباولو تشيوني) (المستعبدون عصبياً أو التقنيات السيكوباتولوجية للتلاعب السياسي والديني والاقتصادي)، وكان هدفي إبراز كيف تجاوز العالم استخدام القوة العسكرية والمالية، ليصل إلى استخدام وسائل لا مرئية مرنة للسيطرة على الأقل، فالأقل ضعفاً بل حتى على الكبار أيضاً ... وتساءلت ما الذي علينا أن نقوم به ونحن نتعرض ليس لأسلوب واحد من أجل السيطرة على مقدراتنا وشعوبنا وحضارتنا بل إلى سيطرة مُدمَجَة ثلاثية الأبعاد تَستخدم في آنٍ واحد جميع وسائل الصراع (القوة العسكرية، والمالية، والذهنية)؟ ألسنا في حاجة إلى تفكير أكثر من مُركَّب وأكثر من استراتيجي واستشرافي لأجل البقاء والاستمرار؟


منذ كنت شاباً وأنا أقرأ مؤلفات مثل «المتلاعبون بالعقول» و«الغارة على العالم الإسلامي» و«أحجار على رقعة الشطرنج» و«حكومة العالم الخفية» وما زلت أقرأ إلى اليوم تقارير من هذا النوع ... إلا أنني لم أفهم شيئاً واحداً: أي عقول يتحدثون عنها؟ .. هل لدينا عقول أم هو خداع في خداع؟.