الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

من معاني التسامح

في الحديث الصحيح، عن سيدنا جابر بن عبدالله الأنصاري ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنَّ سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، وعن سيدنا حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «أتى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعبد من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ - قال ولا يكتمون الله حديثًا ـ قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع النَّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسَّر على الموسر، وأنظر المعسر.. فقال الله ـ سبحانه وتعالى ـ: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي».
يقول الإمام أبو الحسن علي بن خلف، المشهور بابن بطال، في شرحه على صحيح الإمام البخاري، للحديث المتقدم: «فيه ـ أي في الحديث ـ الحضُّ على السَّمَاحَة، وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة، والرقة في البيع، وذلك سبب لوجود البركة فيه؛ لأنه عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم، في الدنيا والآخرة»، ويقول الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: «في الحديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه، إمَّا كل الدين، وإما بعضه من كثير، أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء، سواء استوفي من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين، وأنَّه لا يحتقر شيئاً من أفعال الخير، فلعله سبب السعادة والرَّحْمَة»..
ما من شك أبداً، في أن غياب خلق السماحة والتسامح من حياتنا؛ غيّب البركة عن أغلب الناس، كما غيب الطمأنينة بين البشر، وجعل غير المتخلق بها يظن في قرارة نفسه، أنه الصواب الوحيد، والصواب المطلق، واحتكر الأمور لنفسه، وتضخمت نفسه في عينيه؛ ومن أجل أن نقوم بغرسها ـ أقصد السماحة والتسامح ـ في العقول وفي القلوب، نحتاج في هذا المشروع، إلى توعية مستمرة وعامة، وإلى تعبئة ناضجة ومكثفة، وإلى برامج إعلامية مشوقة، بدلاً من غثاء تلك البرامج والمناشط المتنوعة، التي لا تبحث فيما تبحث، إلا عن نشر الآراء الشاذة، وعن إبراز الإثارات الساقطة، وكل ما يمكن أن يحدث البلبلة والتشويش والارتباك بين الخلق أجمعين.