الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

السماحة

«اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرٌ بالسماحة وجزاءٌ من جنسها. فما السماحة؟ السماحة هي السلاسة والسهولة وتيسير الأمور والملاينة، وأن تعطي وتجود عن كرم وسخاء، يقال: رجل سَمْحٌ وسَمِيح ومِسْمَح ومِسْمَاح، وامرأة سَمْحةٌ ونساء سِمَاحٌ، والسَماحة من الأخلاق العالية التي تتصف بها كل نفس زكية فتراها تعطي بكل سهولة ويسر، والسماحة تكون أولاً مع النفس، فتتقبل قضاء الله وقدره برضا وسهولة وثقة كما قال ربنا «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» وتكون ثانياً مع الغير فيما بين المسلمين بعضهم وبعض، وبين المسلمين وبين غيرهم من أهل الذمة، لا سيما أن الإسلام هو دين السماحة، إن من يسامح ويتعامل بليونة ويسر مع غيره جدير برضوان الله تعالى ومغفرته، فقد صح أن الله تعالى غفر لرجل سألته الملائكة هل فعلت معروفاً قط؟ فقال: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع، فيقول الله تعالى لهم: «أَسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي»، فأي جزاء عظيم هذا! لكنه لا شك خلُق يحتاج إلى تدريب النفس والسمو بها فوق أدران الدنيا وطبائع الناس فلما سما بخلقه عظُم جزاؤه، فاستحق رحمة الله، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «رحم الله رجلاً سَمْحَاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى».

إن السماحة شعور يضفي البهجة بين العباد إذا تعاملوا به وظهرت بينهم دلائله من طلاقة الوجه وبشاشته ومبادرة الناس بالتحية وحسن المعاشرة والتغافل عن الهفوات، والتغاضي عن الإساءة، لو لم يسامح بعضنا بعضاً ما استطاع أحدنا أن ينظر في وجه أخيه وصدق الأثر القائل: «لو تكاشفتم لما تدافنتم» أي: إذا تكشفت لكل امرئ مساوئ أخيه، وعلم ما في قلبه نحوه، ما حضر جنازته عند موته ولما تدافن الناس. هي دعوة في مستهل هذا الشهر الكريم أن نتسامح ونتجاوز دون تفريط في أصول ديننا وأحكامه، استبشاراً بقول رسولنا الكريم: «ألا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار أو بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ»، كن قريباً لإخوانك هيِّناً ليِّناً سهلاً في تعاملاتك مع نفسك ومع غيرك، ديننا دين اليسر وقد مقتَ التشدد فلن يشادّ الدينَ أحد إلا غلبه، وما أجمل قول الشافعي:

وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى


ودافعْ ولكن بالتي هي أَحْسَنُ


وفقنا الله تعالى للتسامح في الدنيا ليَسْمَح لنا بين يديه في الآخرة.