الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الاحتفاء بالبطء

يحتفي «ميلان كونديرا» في روايته التي حملت عنوان «البطء»، بالبطء حرفياً، ولكن بطريقته الفلسفية الخاصة، فهو إذ يشرح فعل البطء فإنه يحاول أن يقدمه من خلال تشريح لفعل الأناة وكلما يرتبط بذلك الرتم الهادىء للحياة، وهو رتمٌ هنا بعيد عن ذلك المرتبط بالكسل أوالخمول، بل هو الآخر المرتبط بالملاحظة التي تجعل الكائن الإنساني متشبعاً بالتفاصيل.

وبأسلوبه المعتاد، الذي قد يربك كثراً، يختبر كونديرا صبرك معه، فهو لا يقدم لك خط حكاية تقليدي، بقدر ما هو التفافٌ بطيء حولها، لتصل في النهاية إلى فكرة السؤال الوجودي بعيداً عن انشغالك بالوصول لنهاية الحبكة.

في فكرة محفزة للتأمل في مفهوم البطء يقول «كونديرا» متمثلاً بأحد شخوص روايته «ثمة وشيجة سرية بين البطء والذاكرة، كما بين السرعة والنسيان.


لنذكر بهذا الصدد وضعية قد تبدو عادية للغاية: رجل يسير في الشارع، ثم فجأة يريد أن يتذكر أمراً مّا، لكن الذاكرة لا تسعفه.. في تلك اللحظة، بطريقة آلية يتمهل في الخطو، أما من يسعى إلى نسيان طارئ شاق وقع له توا، على العكس، يسرع لا شعورياً في مشيته كما لو أنه يروم الابتعاد عن طارئ لا يزال، من حيث الزمن، قريباً جداً منه».


لعل هذه المفارقة قد تأخذك للتفكير في ذاكرتنا اليومية التي تتهشم الآن أمام وقائع الحركة السريعة، لكأن العام يريد أن ينسى أمراً مّا، طارئاً، فما هو يا ترى؟.. هل هو ذاكرة الحروب على سبيل المثال؟ ذاكرة الانتهاكات المتنوعة على مر الأزمنة وغيرها؟، لكن أليس له أن يدرك أنه في خضم ذلك فإنه ينتهج تدميراً ممنهجاً للذاكرة المقابلة، ذاكرة البطء التي صنع من خلالها حضارته؟

سؤال يبقى في خطوه البطيء مرافقاً إياك حتى نهاية صفحات العمل، وقد يستمر إلى ما بعدها أيضاً، ليذكرك بفضيلة البطء التي ما فتئنا نحاول الهرب منها.