السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

بماذا يفيد «الندم»؟

في الـ 20 عاماً الماضية أثبتت الدراما السورية تميزاً واضحاً جعلها تتصدر الفضائيات العربية، وتحظى بإعجاب وثقة المشاهد العربي، وقد تميزت الدراما السورية بفخامة الإنتاج وضخامته وبمناقشتها لقضايا واقعية وإنسانية دون السقوط في الفجائعيات التي اجتاحت قطاعاً واسعاً من الأعمال الدرامية العربية، كما تتميز بالعمق الفكري والوجداني لا تضيع معه القصة الأصلية.

وعلى الرغم من قسوة الحرب الأخيرة وتأثيرها البالغ في الإنتاج الدرامي والسينمائي السوري، وهجرة عدد كبير من الفنانين السوريين، إلا أن كثيراً من الأعمال الدرامية السورية حافظت على سماتها الإبداعية العامة.

أحد الأعمال الدرامية السورية التي عبرت عن حقبة الحرب مسلسل «الندم» الذي أنتج عام 2016م، وهو مسلسل رمزي يحيل إلى أزمة «نظام الحكم» بالعلاقات الأسرية المتأزمة، فالأب «أبو عبده الغول» الذي يمثل السلطة يتعامل مع أبنائه بتقديرات ذاتية يستشهد فيها بحكمة الزمن القاسي، وهو ما يخلق إشكالات كثيرة في الأسرة يصعب تفسيرها، والابن «عبد الكريم» نموذج للشخصية الانتهازية التي تداهن السلطة «الأب» كي يصل إلى مآربه، والابن الآخر«سهيل» نموذج للمعارضة السلمية التي تغادر حين ترى أن المكان لم يعد يناسبها، أما الابنة «ندى» فهي نموذج للشخصية السلبية التي تتيه في الحياة ولا تحقق ما تريد، وتبرز شخصية «عروة» المثقف الذي يستطيع أن يعبر عن رأيه ومعارضته ولكنه لا يستطيع الخروج من قوقعته وعالمه المتعالي، وفي كل مرة يخسر المرأة التي تدخل حياته.


العلاقات غير المنضبطة وغير المفسرة في أحداث المسلسل تجعل المشاهد فاقداً للحكم السليم على الشخصيات، فأمام قسوة الأب على «سهيل» تحديداً، وتمييزه للأبناء الآخرين يصعب تحميله مسؤولية الانهيار الذي أصاب الأسرة لأنه كان ينطق بالحكمة وبالتقدير البالغ لقيم سهيل واتزانه، وأمام جشع عبدالحكيم واستيلائه على إرث إخوته يصعب اتهامه بالسرقة لأنه كان ملتزماً بتسليم إخوته مستحقاتهم أولاً بأوَّلٍ! إنها الفوضى في العلاقات وقيامها على الذاتية والاعتقادات الباطنية، وافتقادها للأساس الصحيح والمنطقي الذي يجعل التعامل معها سلساً ومنتجاً، فحين يقوم نظام (الحكم/‏الأسرة) على أساليب مركزية غير شفافة وغامضة القوانين تنشأ العداوات وتسود القيم السلبية والانتهازية وتولد روح الانتقام.. إنه سوء الفهم، الذي يؤدي في أول مراحله لتفكك العلاقات الأسرية والاجتماعية، وينتهي في آخر المطاف بالخيانات والحرب الأهلية.. مسلسل «الندم» عمل فني جريء في سنوات الدم، يحاول أن يكشف العوامل التي أدت إلى التصدع دون أن يبشر بالانهيار الكامل.. فلا يزال الأمل يلوح في آخر النفق.