الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الصين في عيدها السبعين

الصين في عيدها السبعين

الصين

بقلم: سامر خير أحمد كاتب وباحث ـــ الأردن

احتفلت الصين في الأول من أكتوبر الماضي، بالذكرى السبعين لتأسيس «جمهورية الصين الشعبية»، وفي العادة، يجرى إقامة ربط تلقائي بين تأسيس الجمهورية الشعبية ونهضة الصين، أو بكلمات أخرى، تصوير النجاحات الصينية الضخمة باعتبارها حصيلة للسنوات السبعين من عمر الجمهورية الشعبية.

لكنني، باعتباري باحثاً مهتماً بالنهضة الصينية المعاصرة، سأجادل بأن ذلك الربط ليس موضوعياً تماماً، فنهضة الصين المعاصرة ليست ــ على وجه الدقة ــ نتاج سنوات عمرها السبعين، وإنما نتاج السنوات الأربعين الأخيرة، وتحديداً منذ أطلق زعيم النهضة الصينية المعاصرة، ورائد التنمية والتقدم، دينغ شياو بنغ، في العام 1978، برنامجه النهضوي العقلاني.


وهكذا، فالتاريخ المقبول نقطة انطلاق للنهضة المعاصرة في الصين، يرتبط بانعقاد الدورة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني، في بكين، في ديسمبر/كانون الأول من العام 1978، حين قررت اللجنة التحوّل من «النضال الطبقي» إلى «البناء الاقتصادي وتطبيق الانفتاح على الخارج»، على أساس أفكار دينغ، القاضية بتحرير الفكر من قيود الأيديولوجيا.


قصة نجاح الصين هي قصة العقلانية في تطبيق الأيديولوجيا، انطلاقاً من الواقع وضروراته، ومن غير تهوّر:. إنها قصة البرغماتية، من غير إهدار مبادئ الأيديولوجيا، إذ يمكن تكثيف النهج الصيني الذي أفضى إلى هذه النهضة الكبيرة المشهودة، وعُرف باسم «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، بأنه قام على بعدين: الأول استعمال بعض آليات اقتصاد السوق، وفق منهجٍ سمح بظهور طبقة من الصينيين الأثرياء، مترافقاً مع تقليص الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة، تحت شعار مشاركة الجماهير في تحمل أعباء التنمية، والثاني: الانفتاح على العالم، مع الحفاظ على ضرورات السيادة الوطنية.

وعلى الرغم من أن الصين لم تبدأ من الصفر في العام 1978، إذ كانت سنوات «ماو» قد أسست لنهوض الصين وتحولها إلى دولة كبرى مؤثرة في محيطها والعالم، بما في ذلك امتلاكها السلاح النووي منذ العام 1964، وتطويرها قدرات صناعية هائلة، فإن هذه الإنجازات الكبيرة التي تحققت في نحو أربعين سنة فقط، إنما تشي بأن النهوض لم يكن حصيلة تغيّر اجتماعي، قاد إلى تطوير بنى الدولة، بل كان نتيجة قرار سياسي رشيد، عرف كيف يوظف مقدرات الدولة ومواردها، من أجل تحقيق نهوضها.

ما حدث في تاريخ الصين المعاصر، أنه جرى تعديل أسلوب «ماو» في الحكم، من دون إنكار رمزيته كقائد تاريخي للجمهورية الشعبية.

وعلى هذا، لا يكون غريباً أن توحي الصين في احتفالاتها بعيدها السبعين، أنها تعتبر نجاحاتها حصيلة سنوات الجمهورية الشيوعية كلها، لا سنوات ما بعد ماو وحسب، غير أن إدراك التمايز بين سنوات الفترة بين عامي (1949-1978) وسنوات ما بعد العام 1978، يعد أمراً مفصلياً لفهم النجاحات الصينية المعاصرة، خصوصاً من زاوية الدلالات المهمة التي تنطوي عليها حقيقة العمر القصير لتلك النجاحات، تجاه كيفية تحوّل الأمم ذات الموارد الطبيعية الكبيرة من الهبوط إلى الصعود بسرعة، فالأمر مرهون بوجود خطط عملية، يجري تطبيقها بإخلاص، على أساس من الاستقلال الوطني، والسيادة على الموارد، وهو ما فعله القائد التاريخي دينغ فعلاً، منذ توليه السلطة.

اليوم، ينفذ الرئيس «شي» خطوات مهمة إلى الأمام في مسيرة الصين، إذ أطلق مبادرته الهامة «الحزام والطريق» التي تستهدف إقامة تعاون مع دول العالم، تستعيد فكرة طريق الحرير التاريخية التي ربطت الصين بالعالم، ولا ريب أن الصين وسّعت علاقاتها الدولية بفعل اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي وقعتها في إطار هذه المبادرة، كما كرّست حضورها كقوة دولية ذات مستقبل، مستندة في ذلك على التنمية الاقتصادية التي تنعكس إيجابياً على معيشة مواطنيها، وهو درس مهم يحسن أن نتعلمه نحن في العالم العربي، بينما نتابع احتفال الصين بنهضتها ونجاحها.