الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

إيكونومست: التحول للطاقة الخضراء سيحدث طفرة للاقتصادات السلعية

كانت روسيا في منتصف فبراير الماضي تعتزم بدء ثورة نحاسية واضحة، وكان رجل الأعمال الروسي أليشر عثمانوف، يعمل على تطوير منجم أودكان، وهو منجم للنحاس في سيبيريا، وكان يتطلب بناؤه إزالة قمة جبل بأكملها في منطقة التندرا القطبية الشمالية.

وعثمانوف هو قطب المعادن الروسي، جمعت شركته Kaz Minerals ما يكفي من المال لبناء منجم Baimskaya، وهو منجم منافس بعيد جداً لدرجة أن سير الأعمال به يتطلب ميناءً خاصاً وكاسحة جليد ومحطة نووية عائمة.

ووفقاً لتقرير نشرته مجلة الإيكونومست البريطانية، تم تعليق المشاريع لعدة سنوات بسبب تكاليفها الهائلة، ولكن التوقعات بارتفاع الطلب على النحاس المستخدم في كل شيء من الشبكات إلى التوربينات عززت أسعار المعدن البرتقالي، ما جعل المشاريع الآن قابلة للتطبيق.

وأوضح التقرير أنه على الرغم من ارتفاع أسعار النحاس، إلا أن المشاريع لا تزال في مأزق، حيث هناك نقص في المعدات الأجنبية الحيوية -كما يقول المطلعون- وذلك بسبب العقوبات الغربية على روسيا جراء حربها على أوكرانيا.

كما حرمت روسيا بسبب العقوبات من أموال البنوك الروسية المدرجة بالقائمة السوداء.

وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم التحول التدريجي عن الوقود الأحفوري، متجهاً نحو مصادر الطاقة النظيفة، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية ستمثلان 70% من توليد الطاقة بحلول 2050، ارتفاعاً من 9% في عام 2020، ما يعني زيادة الطلب بشكل كبير على المعادن كالكوبالت والنحاس والنيكل، والتي تعتبر سلعاً حيوية تقوم عليها صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.

وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن حجم السوق لمثل هذه المعادن الخضراء سيزداد 7 أضعاف بحلول عام 2030، إلا أن اندفاع المعادن لن يكون كبيراً كطفرة النفط والغاز التي أطاحت بالفحم.

وسيجلب هذا الانتقال مكاسب غير متوقعة للبلدان التي يطلق عليها (القوى العظمى للسلع الخضراء)، وهي اقتصادات فقيرة، إلا أنها قد تجني أكثر من 1.2 تريليون دولار من الإيرادات السنوية من المعادن المرتبطة بالطاقة بحلول 2040.

مخاطر

أشار التقرير إلى أن هذا النوع من الاستثمارات المهمة في الوقت الحالي، قد تعرقله الظروف المحلية والجغرافيا السياسية، مثلما حصل في مشاريع التعدين في روسيا.

ويقول سعد رحيم من شركة ترافيجورا التجارية، إن التحول للوقود النظيف ليس انتقالاً للطاقة بقدر ما هو انتقال للسلع.

ووفقاً للتقرير فإن الطفرة الخضراء لن تطول مدتها لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وكانت آخر دورة من الطفرات السلعية في أوائل القرن الحالي، مدفوعة بالتحضر السريع والتصنيع في الصين، ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المجمع للبرازيل وروسيا بمقدار الثلثين بين عامي 2000 و2014.

ولكن من ناحية أخرى كان الارتفاع مدفوعاً إلى حد كبير بالصين وحدها، وعندما قرر قادة الدولة أنه ينبغي بناء عدد أقل من المصانع والشقق، عانى عمالقة السلع الأساسية، ولكن على النقيض من ذلك فإن التحول الأخضر ينبع من قرارات العديد من الحكومات وليست حكومة واحدة.

سيناريوهات الرابح والخاسر

وضعت الإيكونومست سيناريو بسيطاً لفهم من الرابح والخاسر من منتجي السلع المرتبطة بالطاقة بحلول 2040، واستناداً إلى بيانات مجموعة مصادر الصناعة، فهناك توقعات برفع الطلب على ثلاثة أنواع من الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) بالإضافة إلى سبعة معادن (الألومنيوم الكوبالت النحاس الليثيوم والنيكل والفضة الزنك) والتي تعتبر بالغة الأهمية لبناء اقتصاد الكهرباء، وافترضت المجلة بقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة اليوم، مما يدفع عمال المناجم إلى استغلال الودائع غير المستغلة، مع افتراض أن الحصة السوقية للمنتج في عام 2040، تتماشى مع حصته من النتائج الحالية.

وتوصل التقرير إلى أن العالم سكون أقل اعتماداً على الموارد المتعلقة بالطاقة في عام 2040 مما هو عليه اليوم إلى حد كبير وذلك لأن مصادر الطاقة المستقبلية الرئيسية ستكون الرياح وأشعة الشمس وهي مصادر مجانية، وسينخفض إجمالي الإنفاق على السلع العشر المذكورة إلى 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من أصل 5.8% في عام 2021، ومع ذلك ستكون عائدات المعادن الخضراء أقل إلا أنها سترتفع من 0.5% إلى 0.7% من الناتج المحلي.

وقسم التقرير المنتجين في ثلاث مجموعات بناءً على التغير المتوقع في عائداتهم من السلع العشر المرتبطة بالطاقة من الآن، وحتى 2040، وستكون المجموعة الرابحة هي القوى الخضراء العظمى والتي تشمل أستراليا وتشيلي التي تعد موطن 42% من احتياطي الليثيوم وربع رواسب النحاس، والكونغو التي تمتلك 46% من احتياطي الكوبالت، والصين التي تعد موطن الألومنيوم والنحاس والليثيوم.

وستفوز الاقتصادات الأفقر في آسيا وأمريكا اللاتينية بالجائزة الكبرى، كإندونيسيا التي تضم العديد من جبال النيكل، بينما تمتلك بيرو ربع الفضة في العالم.

أما المجموعة الثانية فهي الدول التي ستبقى إيراداتها ثابتة أو ستنخفض قليلاً، وتشمل الدول الأعضاء في منظمة أوبك وعلى الرغم من انخفاض عائدات النفط إلّا أن حصتها منه ستتوسع من 45% كما هي عليه اليوم إلى 57% في 2040، وستفقد دول أخرى كأمريكا والبرازيل وكندا عائدات الوقود الأحفوري، إلا أنها ستكون قادرة على الاستفادة من الرواسب المدنية الضخمة.

الخاسر الأكبر

وأوضح التقرير أن الدول البترولية الأعلى كُلفة هي الأكثر خسارة، حيث ستشهد الدول الغنية بالنفط في شمال أفريقيا كمصر والجزائر وفي أفريقيا كأنغولا ونيجيريا وفي أوروبا كبريطانيا والنرويج انخفاضاً في عائداتها.

عوائق

من العوائق التي قد تمنع القوى العظمة السلعية الجديد من الظهور، الإنفاق الرأسمالي حسبما أشار التقرير، وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن المناجم الرئيسية التي تم تشغيلها العقد الماضي، استغرق بناؤها في المتوسط 16 عاماً، ولتلبية الطلب المتزايد بحلول 2040 يجب أن تبدأ الدول بالإنفاق على المشاريع من الآن.

يقول جوليان كيتل من شركة Wood Mackenzie الاستشارية، إنه يجب إنفاق "2 تريليون دولار" في مشاريع التنقيب عن المعادن الخضراء ليتم إنتاجها بحلول عام 2040.

وتشير المشاريع الأخيرة إلى أن استخراج ما يكفي من النحاس والنيكل بمفرده سيتطلب 250 ملياراً إلى 350 مليار دولار من النفقات الرأسمالية قبل عام 2030.

وهناك بعض المشاريع التي بدأت بالفعل، حيث تهدف شركة أنجلو أمريكان وهي شركة تعدين، إلى توسيع إنتاجها من النحاس بنسبة 50-60% بحلول 2030، وقال رئيسها مارك كوتيفاني، إن الشركة سوف تقدم الجزء الخاص بها من الصفقة.