الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

هل يمكن أن تفلس الدول مالياً؟

هل يمكن أن تفلس الدول مالياً؟
أثارت تصريحات تليفزيونية لنائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي بشأن إفلاس دولته ضجة كبيرة مؤخراً ولكنه عاد ونفى تلك التصريحات المنسوبة إليه. لكن تصريحات الشامي أعادت تسليط الضوء على أزمة لبنان التي هي في وضع يقارب حالة الإفلاس.

ورغم نفي مصرف لبنان المركزي، هذه التصريحات، وتأكيده عدم تعرضه أو بلده للإفلاس، إلا أن إفلاس الدول أصبح مثار تساؤلات الكثيرين خلال الفترة الماضية.

ماذا يعني إفلاس الدولة؟

بشكل عام، الدول لا تفلس، بالشكل الذي نراه في الشركات الاستثمارية، ولا يمكن أن تقوم المحكمة الدولية بوضع يدها على أصول وممتلكات الدولة لبيعها وتسديد مستحقات الدائنين، كما تفعل مع الشركات فالدولة لها سيادتها الخاصة ولا يسمح القانون الدولي بتجاوزها.

ويحدث الإفلاس في الدولة عندما تكون عاجزة عن سداد ديونها، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع الرواتب والأجور ودفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، وفي مثل هذا الوضع تكون الدولة ضعيفةً مالياً، لا تستطيع تسيير الأمور الاقتصادية والاجتماعية.

أسباب الإفلاس

ومن أهم أسباب إفلاس الدولة هو انخفاض حاد في الإيرادات العامة ما قد يؤدي إلى ارتفاع في المديونية أو لسبب أزمة اقتصادية خانقة نتيجة لسياسات وقرارات خاطئة، أو لسبب خسارة الدولة للحرب مع دولة أخرى.


وقبل إعلان الدولة لإفلاسها، تلجأ إلى اتخاذ إجراءات صعبة للغاية مثل زيادة الضرائب وخفض النفقات العامة ووقف التوظيف في القطاع العام، وقد تلجأ إلى البلدان الصديقة أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو نادي باريس لإقراضها وإنقاذها من الوضع المالي الصعب.

الديون السيادية

وتختلف الديون السيادية للدول عن حالات إفلاس الشركات حيث سيصعب على الدائنين امتلاك كيانات ذات سيادة بينما يسهل عليهم الاستحواذ على أصول شركة – لكن احتجاز سفينة أرجنتينية غير مسلحة لـ10 أسابيع في غانا عام 2012 كان استثناء.


ويختلف الأمر أيضاً عندما تطلب دولة متعثرة عن السداد من دائنيها إعادة هيكلة ديونها عن رفض سداد الديون، كما تتجه بعض الحكومات أيضاً لطلب مد استحقاق السداد.

ويلجأ بعض الدائنين إلى خفض قيمة الدين أو شطب جزء منه بالاتفاق مع الدولة المدينة كما حدث عام 2001 عندما طلبت الأرجنتين سداد ثلث ديونها البالغة 81 مليار دولار.

وتكون تداعيات التعثر عن السداد مؤلمة للدولة المدينة خاصة لو كان الأمر غير متوقع وغير منظم وتؤثر على اقتصادها بشكل فوري فضلاً عن تأثيرها السلبي لتصنيفها الائتماني.

هزة اقتصادية

وبعد إعلان الدولة لإفلاسها، تحدث هزة اقتصادية قوية على الصعيد المحلي حيث يندفع المستثمرون وأصحاب المدخرات لسحب أموالهم من الحسابات المصرفية ونقلها خارج البلاد، ومن أجل تجنب ذلك تقوم بعض الحكومات بإغلاق البنوك وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال.

وعلى الصعيد الخارجي وكعقاب على التعثر في السداد، تصدر وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن الاستثمار في الدولة المفلسة، كما تتم تسوية الديون أو إعادة هيكلتها بين الحكومات المتعثرة والدائنين دون وجود قوانين دولية تنظم هذا الأمر، ولكن التفاوض بشأنها يكون مكلفاً ومرهقاً لجميع الأطراف حتى يتم التوصل إلى اتفاق مرضٍ.

تجارب سابقة

يذكر أن قرابة نصف دول القارة الأوروبية، و40% من دول أفريقيا، و30% من دول آسيا أعلنت خلال القرنين السابقين إفلاسها، وكانت الولايات المتحدة وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والصين أبرز الدول التي أعلنت إفلاسها وعجزها عن سداد ديونها الداخلية أو الخارجية خلال القرنين الماضيين، وأعلنت ألمانيا إفلاسها 8 مرات خلال 200 عام.

وفي العقد الثاني من القرن الـ21، تواجه 6 دول من دول الاقتصادات الناشئة احتمالات التخلف عن سداد ديونها، وسط الأزمات الاقتصادية التي تسببها جائحة كورونا للطلب العالمي على السلع الأولية، وانهيار صناعة السفر والسياحة بسبب إغلاق الحدود بين الدول، وبسبب الفساد المالي والإداري في معظم الدول النامية التي وصلت إلى مرحلة عدم التمكّن من سداد ديونها.

وهناك اليوم نحو 6 دول أعربت عن عدم قدرتها على خدمة ديونها وطلبت مساعدات من صندوق النقد الدولي، أو من البنك الدولي، وهي جزر المالديف وزامبيا والإكوادور ورواندا والأرجنتين والبرازيل، ويبدو أنّه ستنضم دول أخرى إلى القائمة مع تقدم الوقت، بسبب ارتفاع ديون الاقتصادات الناشئة بشدة خلال السنوات الماضية.

وحسب بيانات معهد التمويل الدولي، فإنّ ديون الاقتصادات الناشئة ارتفعت من تريليون دولار عام 2005 إلى 3.2 تريليون دولار في عام 2019، وقد زادت بنسبة كبيرة خلال السنتين الماضيتين بسبب التأثيرات المديدة والطويلة الأمد التي كرّستها جائحة كورونا.

وفى هذه المرحلة وعند إعلان إفلاس الدولة، يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للتعافي، مثلما فعلت الأرجنتين لتعود إلى التعافي مرة أخرى، تقدم الدولة حينها لإصدار سندات للمستثمرين، من أجل توفير سيولة وتدفق نقدي.

كما تتجه الدولة إلى إعادة هيكلة الديون ومن ثم تستطيع حينها اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، مثلما فعلت الأرجنتين وحصلت على أكبر قرض في تاريخ صندوق النقد الدولي عام 2018 بقيمة 57.1 مليار دولار، وكان مدته 3 سنوات، ونجحت في رفع تصنيفها الائتماني لدى مؤسسة «إس أند بي جلوبال».

ولتفادي الإفلاس في منطقة اليورو والتي تضم 16 دولة، تلقت المجر ولاتفيا ورومانيا في الأعوام الماضية مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وفي عام 2008 حصلت المجر على موافقة لتلقي 20 مليار يورو، لكنها اكتفت باستدانة 9 مليارات بعد أن نجحت الدولة في تنفيذ تقشف كبير. وحصلت لاتفيا التي تعاني من بطالة عالية على 7.5 مليار من صندوق النقد الدولي ومارست عملية تقشف واسعة. فيما تلقّت رومانيا 20 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد والبنك الدولي.

ومن خارج الاتحاد الأوروبي حصلت أوكرانيا على 12.2 مليار يورو من صندوق النقد، ولكن عندما لم تنفِذ برنامج التقشف الذي وعدت به أوقف الصندوق مواصلة عملية الإقراض. وحصلت روسيا البيضاء على ملياري يورو من الصندوق، كما نالت كل من صربيا والبوسنة ـ الهرسك ومولدافيا نحو 3 مليارات يورو معفاة من الفائدة حتى عام 2011.