الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

الشعبويَّةُ الاقتصادية ترفع كلفة رأس المال

الشعبويَّةُ الاقتصادية ترفع كلفة رأس المال

ستؤدي الشعبويَّةُ وتغيّرُ المناخ وإصلاحاتُ سلاسل التوريد إلى زيادة كلفة رأس المال على المدى الطويل، ولكن تكمن المشكلة في عدم صحة التوقعات على مدى الاثني عشر شهراً القادمة.

يوجد العديد من احتمالات الخطأ في الأسواق المالية، سواء في الاتجاه أو التوقيت أو سرعة التغيير، فالعام طويلٌ جداً لأن الوتيرة الحادة لدورة الأعمال المالية الحالية تعني أنه حتى الفكرة المحددة جيداً ستنتهي في غضون أسابيع، وقصيرٌ جداً لأن الاتجاهات العميقة ستستغرق سنوات حتى تصبح واضحة.

فلنترك التوقعات جانباً ونتساءل عن كيفية تغيّر الأشياء خلال العقد القادم. رأسُ المال وفيرٌ اليوم، حيث تمتلك القوى العاملة العالمية الشابة كثيراً من المدَّخرات التي يمكن توظيفها، كما تشير أسعار الفائدة المنخفضة طويلة الأجل والأصول باهظة الثمن إلى ندرة الطرق المناسبة لاستخدام هذه المدَّخرات. غالباً ما تعتمد الشركات الجديدة على الأفكار ولا تحتاج إلى الكثير من رأس المال. لكن لا بدَّ أن يقلَّ رأس المال بمرور الوقت ليكون الطلب الأكبر من ثلاثة مصادر بشكل خاص: الشعبوية الاقتصادية وسلاسل التوريد الأقصر ونقل الطاقة، حسبما ذكر موقع صحيفة «الإيكونيميست» في مقالة نشرها حديثاً.

ذكر كلٌّ من الخبيرين الاقتصاديين سيباستيان إدواردز وروديغر دورنبوش منذ أكثر من 30 عاماً أن الشعبويَّة الاقتصادية نهجٌ لا يرى أية قيود كحدود الاقتراض أو التضخم على النمو الاقتصادي. لذلك طبَعَ الشعبويون في أمريكا اللاتينية الأموالَ لدفع تكاليف الإنفاق العام. وعلى الرغم من انتهاء ذلك بشكلٍ مأساويّ، إلا أنَّ الشعبوية الاقتصادية ما زالت قائمة. وأكبرُ مثالٍ على ذلك فنزويلا، علماً أن تركيا تبدو عازمةً على تبنّي نسخةٍ منها، في حين لم تتخلَّص منها الأرجنتين أبداً. أصبح الشكل المخفَّف من الشعبوية الاقتصادية أكثر وضوحاً في البلدان الغنية أيضاً، ومن علامات ذلك إحياءُ السياسة المالية التقديرية، فحزمةُ الـ1.9 تريليون دولار التي وقَّعها الرئيس جو بايدن في مارس أفضلُ مثالٍ على ذلك، في حين يعدُّ صندوق التَّعافي الأوروبي الذي تبلغ قيمته 900 مليار دولار أكثرَ تواضعاً رغم حجمه الكبير.



عادت أولوية التحفيز المالي نظراً لإدراك أنَّ قيودَ السياسة، مثل عجز الميزانية، أقلُّ تقييداً عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة. ولكن بمرور الوقت سيبدأ الإنفاق المموَّل بالعجز بامتصاص المدَّخرات الزائدة. شهدت السياسة النقدية أيضاً بعض التحولات، سواء في تغيير الأهداف أو في الأفراد. فإنَّ موظف البنك المركزي ذا الطراز القديم، والذي هو بمعزلٍ عن السياسة وقلقٌ بشأن التضخم، ما زال من الأثرياء، ولكن توجد فئة جديدة قلقة بشأن عدم المساواة وتجد أسباباً للتفاؤل بشأن مخاطر التضخم، فإن ماركو بابيك، من شركة «كلوك تاور غروب» (Clocktower Group) الاستثمارية، يدعو إلى التحولَ نحو التحفيز «إجماعَ بوينس آيريس»، مقارنةً بـ«إجماع واشنطن» الذي ينصح بالحذر.


بالنسبة لزيادة الاستثمار في استمرارية الأعمال، فمن المرجح أن يجري تقصير سلاسل القيمة العالمية إلى حدٍّ ما بهدف تجنُّب الاختناقات التي أثَّرت على الإنتاج في عام 2021. يبدو من المرجح حدوث زيادةٍ عامة في رأس المال العامل، حيث خسرت الشركات مبيعاتها أثناء الوباء بسبب نقص المخزون، فأصبحت كلفة الفائدة على حمل المخزون الآن أقلَّ بكثير مما كانت عليه عندما تحولت ممارسة الأعمال نحو مستويات المخزون الضعيف والعرض في الوقت المناسب فقط. كما يرى بابيك أن حتميَّةَ الأمن القومي تفضِّلُ زيادةَ سلاسل التوريد، حيث يؤدي التنافس بين أمريكا والصين إلى مضاعفة القدرات في بعض الصناعات الرئيسية، مثل أشباه الموصلات، علماً أن هذه الازدواجية ستمتص رأس المال.

وأما السبب الثالث لاحتمالية ندرة رأس المال؛ فهو تغير المناخ، يرى الخبراء أنَّ الانتقال إلى طاقةٍ أكثر اخضراراً مشكلةٌ تتعلق بإنفاق رأس المال، حيث تتطلَّبُ أية محاولة جادَّة لوقف ارتفاع درجات الحرارة العالمية التخلصَّ من الأصول التي يقوم عليها اقتصاد الكربون، مثل منصات النفط ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم والبنزين، كما تتطلَّبُ بناءَ بنيةٍ تحتية جديدة تعتمد على المركبات الكهربائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين البطاريات، ما يستلزم نشر الكثير من رأس المال.

لا يوجد أيٌّ من هذه الاتجاهات الثلاثة بالشكل اللازم على مدار السنة التقويمية، فهذه هي المفارقات في التنبؤ بأنَّ عام 2022 سيقدِّم أدلَّة ضدَّ فرضية ندرة رأس المال. وفي حال رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فسيفعل ذلك في وقتٍ مبكِّر جداً من دورة الأعمال، ما يدحض فكرة الميل إلى السياسة الشعبوية. ومع تخفيف الاختناقات، يمكن أن يسقط أمنُ الإمداد عن قوائم أولويات الشركات، ولكنَّ وفرة رأس المال الحاليَّة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.