السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

الشركات الأجنبية تتسابق للخروج من موسكو ومليارات الدولارات على المحك

الشركات الأجنبية تتسابق للخروج من موسكو ومليارات الدولارات على المحك

على مدى عقودٍ من الزمن، حرصت شركات التمويل العالمية على رعاية الشركات وأصحاب المليارات والحكومة في روسيا، ثم فجأةً اندلعت الحرب في أوكرانيا.. وربما يعدُّ الاستبعاد الاقتصادي الذي تشهده روسيا الآن أقسى وأسرع استبعادٍ يُذكر لاقتصادٍ صناعيٍّ كبير.

ذكرت «سيتي غروب»، التي لديها الآلاف من الموظفين ومليارات الدولارات من الأصول في روسيا، أنَّها ستخفض الكثير من أعمالها في البلاد.. كما تتجه «غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان تشيس» و«دويتشه بنك» إلى الخروج من روسيا، بالتزامن مع انتقال بعض المموِّلين والمحامين وغيرهم إلى مراكز أخرى، مثل دبي.

شهدت الأسابيع القليلة الماضية اندفاعاً كبيراً لفهم وتنفيذ العقوبات التي تُحدَّث باستمرار من قبل الولايات القضائية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما أدَّى إلى شلِّ الحركة التجارية، حيث لاقى المتداولون أنفسَهم عالقين مع الأسهم والسندات الروسية التي لا يمكنهم تحويلها، في حين تُركت المشتقات المالية المرتبطة بهم في طيِّ النسيان.

وبالنسبة لقطاع التمويل، فإنَّ مليارات الدولارات معرَّضةٌ للخطر، حيث إنَّ عشرات المقرضين، بما في ذلك «بنك رايفايزن الدولي» و«سيتي غروب» و«دويتشه بانك»، لديهم نحو 100 مليار دولار من المخاطر النقدية المشتركة في روسيا، وفقاً لبياناتٍ جمعتها «بلومبيرغ».. لكنَّ الشركات أكَّدت على أنَّ موازناتها من الممكن أن تستوعب بسهولة أيَّة ضربة لأعمالها الروسية.

بعد بداية الحرب بساعات، شهد الممولون في موسكو انهياراً فعلياً للشركات التي كانت في وضع سيء حتى الشهر الماضي.. فيما أفاد أحد مديري الاستثمار المحليين، بأنَّ زملاءَه أيقظوه ليأتي إلى المكتب بسرعة في ذلك الصباح، حيث كانت شركته تتعامل مع 6 مليارات دولار لصناديق التقاعد، لكنَّه يعتقد الآن أنَّ أصول عملائه لا تساوي سوى جزءٍ صغير من ذلك أو لا شيء على الإطلاق. فيما ذكر مديرٌ آخر مسؤولٌ عن مجموعةٍ من المتداولين في موسكو، أنَّ مستوى العمل في مكتبه انخفض بمقدار ثلاثة أرباع بعد توقُّف السماسرة الأجانب عن التعامل مع شركته.

عاقبت الولايات المتحدة بنكَ «في تي بي» الروسي، كما جُمِّدت وحدتُه البريطانية، حيث أفاد موظفو البنك بأنَّ العديد من الشركات الغربية لا تردُّ على مكالماتهم ورسائلهم الإلكترونية، وفقاً لمقالة نشرها موقع «بلومبيرغ» حديثاً.. أدَّى ذلك إلى كفاح المصرفيين الاستثماريين لإغلاق الصفقات مع الأطراف المقابلة.. لكن ظلَّت بعض الشركات على اتصالٍ مع البنك وتمكَّنت إلى حدٍّ كبير من فكِّ صفقاتها المعلَّقة، في حين قطعت شركاتٌ أخرى العلاقات بمجرد إعلان العقوبات، إلا أنَّ تفكيك الأعمال قد يستغرق وقتاً أطول بكثير.

ذكرَ بيل براودر، الذي كان من كبار المستثمرين الأجانب في روسيا، أنَّ البنوك الاستثمارية لعبت دوراً أساسياً في انفتاح روسيا وجلب أموالها إلى بقية العالم. ومن الأمثلة على شبكة العلاقات المعقَّدة بين روسيا والبنوك العالمية شركةُ «ليتروَن هولدينغز» (LetterOne Holdings) الاستثمارية التي أسَّسها الروس، بما في ذلك المليارديران ميخائيل فريدمان وبيتر أفين. كما ذكرت «بلومبيرج» أنَّ صندوق «إتش إس بي سي هولدينغز» للصناديق التحوطية احتوى 547 مليون دولار من أموال «ليتروَن» في نهاية عام 2020، فيما كان لدى مجموعة «بلاكستون» الاستثمارية 435 مليون دولار.. كما أنَّ شركة «بامبلونا كابيتال مانجمنت» (Pamplona Capital Management)، التي تدير نحو 3 مليارات دولار من أموال شركة «ليتروَن»، بدأت بإعادة أموالها.

كان بنك «جي بي مورغان» لاعباً كبيراً في إصدار الديون للشركات الروسية، حيث تنافس مع عمالقة محليين مثل «في تي بي» و«سيتي غروب» وغيرهما. ولكن ذكر البنك أنَّه «يفكِّك بنشاطٍ» أعماله الروسية.. فيما أفادت ناتالي جاريسكو، وزيرةُ ماليةِ أوكرانيا سابقاً، بأنَّه يجب على البنوك قطع أعمالها التجارية مع روسيا لأنه الشيء الصحيح من الناحية التجارية، ولكنَّها نقطة أخلاقية أيضاً. كما ذكر جورجي إيجوروف، مصرفيٌ سابق في بنك غولدمان ساكس، أنَّه يشعر بالغثيان إزاء ارتباطات «وول ستريت» بروسيا، حيث دعا البنكَ إلى الانسحاب في منشورٍ على «لينكد إن» قبل أن يعلن البنكُ أنَّه سيغادر البلاد في 10 مارس.

يغادر المستشارون والمحامون ومراجعو الحسابات روسيا أيضاً، على الرغم من أنها عملية صعبة.. وبذلك سيتعيَّن على شركات المحاسبة الأربع الكبرى، «ديلويت» و«كي بي إم جي» و«بي دبليو سي» و«إرنست آند يونغ»، قطعُ علاقاتها مع الشركات الروسية والبيلاروسية الأعضاء فيها، والتي يملكها شركاء محليون.. يمكن لتلك الكيانات الروسية أن تواصل العمل مع عملائها ولكن لم يعد بإمكانها الوصول إلى الشبكة العالمية للشركة.

أفاد أشيش ناندا، كبير محاضري كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، بأنَّ عملية الانفصال لن تكون سريعة، ومن المرجَّح أن تزداد تعقيداً، فماذا لو كان أحد العملاء الروس يخضع الآن للعقوبات ولديه شركة تابعة له في المكسيك التي لا تفرض العقوبات؟ ماذا لو كان المحاسبون الروس ينجزون أعمالهم في كازاخستان المجاورة؟ لا يمكن لمستشاري الإدارة وشركات المحاماة التخلُّص من عملياتهم الروسية بسهولة، لذلك يجب على شركاتٍ، مثل «ماكينزي» (McKinsey) و«بين» (Bain) و«لينكليتيرز» (Linklaters) وغيرها، تقديمُ الدَّعم لشركائها وموظفيها الروس وفيما يخصُّ التزامات العملاء الحالية وعلاقاتهم مع الدولة.

وصفَ نيك لوفغروف، أستاذ الإدارة في كلية ماكدوناه للأعمال في جورج تاون، والذي قضى 30 عاماً مع «ماكينزي»، هذه العمليةَ بأنها عمليةٌ حسابية معقدة بشكل محزن، ففي الأيام الأولى من الحرب، صرَّحت «ماكينزي» في البداية أنَّها ستوقف العملَ مع الكيانات الحكومية الروسية فقط.. ولكن بعد أربعة أيام، أفادت الشركة بأنَّها ستوقف العمل مع الكيانات الحكومية في الحال ولن تقوم بأيِّ عملٍ جديد للعملاء هناك، إلا أنَّ مكتبها في موسكو سيظلُّ مفتوحاً، علماً أنَّ منافسين آخرين، مثل «بين» و«بوسطن كونسولتنغ غروب» الاستشارية، تبنَّوا مواقف مماثلة.

تبقَّى لشركاتِ الخدمات المهنيَّة التي تظلُّ في روسيا خياران، وفقاً للمستشار القانوني توني ويليامز: إمَّا إغلاقُ كلِّ شيء أو تحويل العمل إلى الشركاء الموجودين على الأرض. يمكن أن تقول إنَّها تغلق بشكل مؤقَّت، ولكنها لن تعود ما لم يكن هناك تغييرٌ جذريٌّ، فمع اقتراب الحرب من شهرها الثاني، تكاد لا توجد علامةٌ تُذكر حول تغيُّر الوضع.

ربما حان الوقت لتغيير المسار الوظيفي بالنسبة لأولئك الذين يتخصَّصون في خدمة العملاء الروس، حيث ذكرَ أحد المديرين التنفيذيين المطَّلعين على الأمر أنَّ وسيطاً لبعض رجال الأعمال الأغنياء في روسيا يتطلَّع الآن إلى أن يصبح تاجراً في السيارات الكلاسيكية.