السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

القضاء والسياسة.. صراع مستمر

كان عنوان هذا المقال قبل تعديله: «العدالة والسياسة»، ليصبح القضاء والسياسة، فخلال مرحلة تعديل الدستور الجزائري، قامت اللجنة المكلفة باستبدال فصل العدالة بفصل القضاء، وأثنى كثير من المختصين في القانون بشكل عام والقانون الدستوري بوجه خاص على هذا، وحجتهم أن العدالة الحقيقية هي ربانية، أما عدالة البشر فهي نسبية، لذلك من الأنسب أن نتحدث عن القضاء فهو يقضي بين الناس، وقد يُخطئ وقد يصيب.

وقد ناضل فقهاء القانون والسياسيون والمفكرون منذ أزمنة طويلة من أجل فصل القضاء عن السياسة، حتى يكون مستقلاً استقلالية تامة، إلى درجة أنه في الدول الإسلامية الأولى كان القضاة يرفضون الوظيفة، حفاظاً على استقلاليتهم، وفعلاً إذا لم يكن القضاء مستقلاً بشكل تام، فإنه بدون شك سيكون أداة في يد السياسيين، مثل السلطة الرابعة التي عادة ما تصبح سلطة في يد السلطة الأولى وهي التنفيذية.

وعملية الفصل هذه بحاجة لنضال طويل ليس في الجزائر فقط، بل في كل دول العالم، لكن في الجزائر يتعامل القضاة اليوم مع ملفات فساد قيمتها المالية آلاف المليارات، متهم فيها مسؤولون كبار ورؤساء حكومات ووزراء وجنرالات، والقاضي يتلقى راتباً في حدود 500 دولار وبعضهم يسكن شقة مستأجرة.

في مطلع هذا الأسبوع، برّأت المحكمة العسكرية في الجزائر 4 متهمين من تهمة التآمر على الدولة وسلطة الجيش، هؤلاء المتهمون شخصيات كبرى، 2 هما المسؤولان السابقان للمخابرات (الجنرال توفيق والجنرال طرطاق)، والثالث مستشار الرئيس وشقيقه (السعيد بوتفليقة) والرابع رئيسة حزب العمال اليساري السيدة لويزة حنون.

التهمة أُسندت لهم خلال الحراك الشعبي في عام 2019 في عهد رئيس الأركان الفريق الراحل أحمد قايد صالح، وفي عهده قضت المحكمة عليهم بـ15 عاماً سجناً نافذاً، وبعد سجال مع الطعن، قضت المحكمة يوم 2 يناير الماضي بالبراءة.

ومن البديهيات أنه لا تعليق على أحكام العدالة، فهي التي تدين وهي التي تبرئ، لكن كثيراً من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي اشتموا رائحة السياسة في الحكم.

ويبدو أن الجزائر تتجه تدريجياً نحو تصفية كل الملفات المثيرة للجدل والموجودة على طاولة القضاء، فإذا قال المحللون: إن تبرئة مسؤولي المخابرات السابقين تهدف لإعادة اللحمة داخل مؤسسة الجيش لمواجهة التحديات الإقليمية، فإن وجود عشرات المسؤولين السابقين رهن الحبس، أصاب الدولة بالشلل، لأن المسؤولين أصبحوا يتخوَّفون من اتخاذ أيّ قرار خشية من أن يلقوا المصير نفسه الذي وقع لسابقيهم.