الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

البحث عن «المثالية» قد يقتلك!

من أبرز الأعداء المختبئين خلف أقنعةٍ جميلة برّاقة تنبض إيجابية وفائدة، التوق اليومي لبلوغ مرحلة «المثالية» في مجالٍ ما.. والمصيبة الأدهى أن تُصاب بمرض ملاحقة المثالية في أغلب أمور حياتك اليومية! فهذا طريق مختصر للقلق والتوتر ومن ثم قائمة طويلة من الأمراض النفسية والعضوية التي لن تدعك تمر منها بسلام.

إن وجود «الخبراء» و«العلماء» في العديد من مجالات الحياة ليس بغرض وضع طريق ضيق وتسميته بالطريق المثالي النموذجي.. وبالتالي هو الطريق الصحيح الوحيد، وباقي الطرق تكون خاطئة بالضرورة، مطلقاً! وأكبر مثال هو تناقض بيانات نفس الشريحة «الخبراء» و«العلماء» في تصريحاتهم اليومية عن الجائحة التي أنهكت العالم بمن فيه. إن الرغبة الملحّة بأن تكون «مثالياً» قد تبدو من باطنها إيجابية لكنها تسلب منك خصوصية شخصيتك وخياراتك الحرة! ليس المطلوب منا أن نكون «مثاليين» أو «نموذجيين»! بل أن نشبه أنفسنا ونكون معطائين للحياة بالطريقة والأسلوب المناسبين لنا.

من قصص المثالية التي تحوي بعضاً من الألم والكثير من العظات والعِبَر، قصة الطيّار والمخترع البرازيليّ «ألبيرتو سانتوس دومون» فهو يُعتبر مخترع المنطاد الأول وصاحب أول طائرةٍ ثابتة الجناح من تصميمه الخاص «بيس 14» وهو صاحب إسهاماتٍ فذة في عالم الطيران أوصلته ليكون واحداً من أكثر الناس شهرةً في بدايات القرن الـ20، فهو صاحب أول رحلة طيران مُصدّقة ومُجازة من قِبل «نادي الطيران الفرنسي» و«اتحاد الطيران الدولي»، وفي وطنه الأم «البرازيل» يُعتبر بطلاً قومياً وأباً للطيران، واسمه من أهم الأسماء في سجل «بانتيون» لأبطال البرازيل.

من يقرأ سيرته فسيرى أنه قدَّم الكثير لنفسه ولوطنه ولصناعة الطيران بأسرها، وساعد عدداً من الأشخاص في إنجازاتٍ حياتيةٍ فريدةٍ في حياتهم في مجال الطيران، حسناً.. كيف يمكننا تقييم هذا الشخص بناءً على مسيرته؟ فهي أكثر بكثير من جيّدة.. لكن حس المسؤولية المرضيّ.. المنبثق من مرض البحث عن «المثالية الكاملة» أصابه بشكلٍ مؤلمٍ وصادم! حيث إنه في عام 1934 استاء من استخدام محركاته الجوية في الحرب في البرازيل، فقام بإنهاء حياته بالانتحار شنقاً! إنه مرض المثالية!

وللعلم.. في عام 1997 أطلق عليه الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» لقب ( والد الطيران)!