الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

حج واختلاف.. تخفيف وتيسير

اليوم الجمعة هو يوم التروية، وغداً يوم الصعود إلى عرفات حيث الحج الأعظم، والمغفرة العامة لمن وقف الموقف العظيم ولمن لم يقف ممن صام بعرفات.من أكثر دروس الحج متعة الدروس المتعلقة بجمال تنوع الآراء الفقهية المتعلقة بهذا النسك العظيم، وعن هذه النقطة تحديداً يُروى عن سيدنا عمر بن عبد العزيز قوله: «ما أحب أن أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة».

إن الاختلافات الفقهية أسباب للتيسير والتسهيل، وفي المذهب الواحد توجد اختلافات، ويمكن أن يعدل الإنسان عن القول الراجح إلى قول مرجوح لجلب مصلحة، أو درء مفسدة، أو دفع مشقة، ومقرر في الفقه جواز تقديم القول الضعيف الذي جرى به العمل على القول الراجح، ومقرر كذلك جواز الإفتاء بالضعيف من الأقوال للضرورة، وتغير الأحوال.

يقول الشيخ ابن القيم في كتابه ذائع الصيت (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، وهو يتحدث عن تغيير الفتوى واختلافها بحسب تغيُّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد: «هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله».


إن الحجيج كانوا يعدون بالآلاف، وأصبحوا اليوم يعدون بالملايين، والإبقاء على الأحكام التي تخالف مقاصد الشريعة، وتؤدي إلى مشقة وإعنات مخالف لروحها، ولو أردنا إبقاء الأحكام على ما كانت عليه، سنلحق الضرر بالناس، ونخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير.