السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

غدر بغدر.. وخيانة بخيانة

القارئ المتأني لروايات نجيب محفوظ، يلمح بين ثناياها قضية تبدو أنها كانت تشغل حيزاً كبيراً من تفكيره، وأعني بها ازدواجية شخصية الرجل العربي، وتحوله المفاجئ من رب أسرة وقور وصارم في المنزل، إلى زير نساء ودونجوان متحرر بمجرد أن ينفرد بجلسائه في خلواته الخاصة في المقاهي «النائية»!

وهنا يحق لنا أن نتساءل:

هل تمثل هذه الازدواجية حالة عامة في المجتمع العربي، أم ظاهرة برزت وتلاشت في بعض المجتمعات دون غيرها؟


من وجهة نظري، إن هذه الازدواجية سمة ملازمة للرجل عموماً، والعربي على وجه الخصوص، ولم يسلم منها إلا عدد قليل من أصحاب الوعي المرتفع، والإرادة القوية التي مكنتهم من الثبات على شخصية واحدة تمثل واقعهم الحقيقي، ومواجهة المجتمع بها.. سواءً قبلوا بها، أم استهجنوها.


في أبيات الشعراء العرب القدامى والمعاصرين نلمح بعض السمات التي ينجذب إليها الرجل في المرأة، من حسن ودلال وغنج.. وفي أحيان أخرى جرأة وفروسية وتمرد على قيود المجتمع، لكن في الواقع نرى الغالبية العظمى من الرجال يرتبطون بنساء بعيدات عن هذه السمات، يملن إلى الهدوء والاستكانة والطاعة.
وهنا يبرز السؤال الأهم، وهو:

لماذا لا يرتبط الرجل بالمرأة التي يتغزل بها في قصائده؟
الإجابة من وجهة نظري، يمكن استقراؤها من سلوك «سي السيد» في روايات محفوظ، فالرجل العربي منساق بداخله للثقافة السائدة في مجتمعه، ولا يجرؤ على مخالفتها.. وهي ثقافة تفترض مسبقاً خضوع المرأة لزوجها، وتبعيتها الكاملة له.. فنجده يرتبط بامرأة تتوافق مع هذا التصور، وينجذب إليها، ويواجه بها المجتمع.. أما رغباته الدفينة، فيشبعها مع نساء أخريات خارج هذه العلاقة.. ومن هناك تبدأ المشاكل.

المرأة اليوم، غير المرأة بالأمس.. والأبواب التي كانت مغلقة في الماضي، فتحت الآن على مصراعيها.. وما عاد بإمكان سي السيد أن يخفي ما يدور في جلساته الخاصة عن زوجته التي لم تعد غافلة، ولا مكسورة الجناح.

المرأة اليوم قطعت أشواطاً بعيدة في التعليم، والوعي وأصبحت أكثر قوة، وأكثر جرأة على مواجهة الرجل بشخصيته الحقيقية، وهو أمام هذا الواقع الجديد يجد نفسه أمام خيارين، لا ثالث لهما.. إما الثبات على شخصية واحدة مستقيمة، وإما القبول بما تراه هي مناسباً ومنصفاً لها.
وهذا الحكم ليس بالضرورة أن يكون عادلاً، أو موضوعياً.. ففي أحيان كثيرة يأخذ مساراً متطرفاً للغاية، يواجه الغدر بالغدر، والخيانة بالخيانة