الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

الصناعة الأمريكية.. حكومة بايدن والعودة

في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ضخت الحكومات الأمريكية مبالغ طائلة دعماً لأبحاث أشباه المُوصلات، ما أوصلها تدريجياً إلى مرحلة متقدمة ذات جدوى للاستخدام التجاري الصناعي.

كانت الولايات المتحدة حتى نهاية الثمانينات تتصدر إنتاج أشباه الموصلات في العالم، لكن مع التطور التقني وارتفاع أرباح الشركات بشكل كبير تغيرت الأولويات وتوجه التصنيع إلى مناطق الأيدي العاملة الرخيصة، وتحديداً آسيا حيث يتم اليوم هناك إنتاج 75% من أشباه الموصلات عالمياً.

لم يتوقف الحديث عن خطورة وجود هذه الصناعات خارج أمريكا، فكان الكثير من السياسيين والإعلاميين يثيرون هذا الموضوع باستمرار، لكن لم يكن هناك أي عمل جدي باتجاه تغيير الواقع، إلى أن جاءت أزمة كورونا ومشكلة سلاسل الإمداد التي كانت بمثابة تجربة عملية لخطورة الوضع القائم.

معظم المنتجات التقنية الحديثة تستخدم أشباه الموصلات في تصنيعها، وذلك يشمل المعدات العسكرية والسيارات الإلكترونية وغير الإلكترونية والهواتف الذكية والمعدات الطبية وأي منتج تقني آخر، وعدا عن أثر تعطل سلاسل الإمداد على ارتفاع الأسعار وبالتالي على الاقتصاد بشكل عام، فإن أمريكا تخشى من استخدام هذا الأمر ضدها في خلافاتها السياسية وحربها الاقتصادية مع الصين.

تتعامل الإدارة الأميركية مع صناعة أشباه الموصلات كمسألة أمن قومي واقتصادي، وهي محقة في ذلك لأسباب سياسية - اقتصادية

ومن هنا نفهم أحد أهم أسباب حساسية أمريكا تجاه أي تحركات تقوم بها الصين بخصوص تايوان (التي تنتج ما يقارب 60% من أشباه الموصلات في العالم) حيث تعتبرها الصين جزءاً منها وترغب في استعادة السيطرة الكاملة عليها.

النتائج الإيجابية للأزمة الأخيرة كانت بداية تحركات جدية نحو ضخ استثمارات كبيرة في ولايات مختلفة لإعادة بناء مقومات صناعية تسمح لأمريكا بإدارة صناعاتها بحرية أكبر، فقد أعلنت شركات مثل إنتل وجينيرال موترز عن استثمارات بمليارات الدولارات لإنشاء مصانع جديدة لأشباه الموصلات، كما تلقى هذه الاستثمارات دعماً كبيراً من إدارة الرئيس الأمريكي حوزيف بايدن الذي أعلن منذ توليه الرئاسة أن هذا الموضوع يشكل أولوية بالنسبة لإدارته، وتم رصد موازنات تريليونية للبنى التحتية ووضع خطط لها إضافة للتركيز على هدف عودة الوظائف الصناعية إلى أمريكا.

تتعامل الإدارة الأمريكية مع صناعة أشباه الموصلات كمسألة أمن قومي واقتصادي، وهي محقة في ذلك للأسباب المذكورة أعلاه، وهي تكاد تتفوق في سلم الأولويات على أي موضوع اقتصادي أو سياسي آخر، وبكل وضوح يقول بايدن في خطابه الأخير: «نريد أن يكون مستقبلنا مصنوعاً في أمريكا».

المؤشرات العملية خلال السنتين الأخيرتين إيجابية بكل تأكيد، لكن التحدي كبير وبحاجة إلى الحفاظ على وتيرة التغيير والاستثمار الصناعي، لأن التباطؤ سيكون مكلفاً جداً للولايات المتحدة ومستقبلها.