الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

الأمية المالية والناتج المحلي

في استطلاع أجرته وكالة ستاندرد آند بورز قبل سنوات، تبين أن فقط 30% من الأشخاص البالغين في العالم لديهم ثقافة مالية كافية لاتخاذ قرارات بسيطة في التعاملات المالية التي تخصهم، وشمل الاستطلاع أسئلة بسيطة حول مواضيع التضخم والفائدة والفائدة المركبة وتجنب المخاطر أو إدارتها، وللتوضيح، فإن الجانب الآخر من النسبة المذكورة يعني أن ثلثَي البالغين يمكن اعتبارهم «أُميين مالياً».

تختلف النسبة من دولة لأخرى، لكن الواضح كان ارتفاع نسبة الثقافة المالية لدى شعوب الدول ذات الدخل الأعلى للفرد، حيث تنقلب النسبة في بعض الأحيان، أي إن نسبة المثقفين مالياً تصل إلى 70%.

كل الناس يتعرضون بشكل يومي إلى تعاملات مالية، كاستخدام بطاقات الدفع أو التعامل مع البنوك أو استئجار منزل أو الادخار أو شراء سيارة أو التفاوض بشأن الراتب وغيرها الكثير، وقد تبدو تلك التعاملات بسيطة أو ليست ذات أهمية كبيرة لمن لديهم الثقافة المالية الكافية بينما هي- كما أشارت العديد من الدراسات- تؤدي إلى توتر وضغط نفسي للذين تنقصهم الثقافة المالية الكافية، إضافة إلى التأثير السلبي على أوضاعهم المالية عند اتخاذ قرارات خاطئة.

الوعي المالي المرتفع عند الشعوب ليس رفاهية، بل هو متطلب أساسي في قدرة الأمم على التطور اقتصادياً واجتماعياً.

تقوم المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وبعض برامج الأمم المتحدة بمبادرات لزيادة الوعي المالي والثقافة المالية حول العالم، وخصوصاً في الدول الفقيرة، لما لذلك من أثر إيجابي على مستقبل تلك الدول وشعوبها، وتقوم حكومات الدول التي لديها خطط تنموية بوضع مستهدفات لزيادة الوعي المالي مع برامج خاصة بذلك لمختلف الفئات العمرية، لكن تلك الجهود لم تؤدِّ- حتى الآن- إلى تطور ملحوظ بشكل يؤثر إيجابياً على الناتج الاقتصادي للدولة ككل وللأفراد على مستواهم الشخصي.

تعود أسباب تأخر التطور المنشود- برأيي- إلى عدم مواكبة تلك المبادرات والبرامج للتطور الحاصل في المنتجات المالية بشكل عام والمنتجات المالية التقنية بشكل خاص، فالشخص العادي حالياً أصبح مطالباً باتخاذ قرارات بشكل مستمر تخص تعاملات مالية عبر الإنترنت لا يفهم معظم تفاصيلها أو المخاطر المتعلقة بها. يضاف إلى ذلك ظهور تقنيات جديدة مثل العملات المشفرة والبيانات المفتوحة والبنوك الرقمية، ما يعقد المشهد وتفاصيله لمعظم الناس ويزيد من أهمية الحصول على الثقافة المالية.

أعتقد أن الحاجة أصبحت ملحة في منطقتنا لزيادة الاستثمار في مبادرات وبرامج الثقافة المالية وتقديمها بشكل أكثر تطوراً وإبداعاً، خصوصاً مع وجود خطط اقتصادية طموحة يتم العمل على تنفيذها بكل جدية. إن الوعي المالي المرتفع عند الشعوب ليس رفاهية، بل هو متطلب أساسي في قدرة الأمم على التطور اقتصادياً واجتماعياً.