السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

خطورة التقاعد على رأس العمل

دائماً ما يعود الاقتصاديون للإحصاءات الرسمية للحصول على أرقام البطالة، للحكم على مدى استفادة المجتمع من النمو الاقتصادي الذي يترجم عادة في شكل وظائف جديدة، لكن هذه الأرقام «الخادعة» لا تظهر أبداً نسب البطالة المقنعة، أو ما أسميه «التقاعد على رأس العمل»، إذ توجد أعداد لا بأس بها من الموظفين الذين يحصلون على رواتب دون جهد يذكر، وللأسف، فإن هذا النوع من البطالة والمنتشر في العالم العربي لا يعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، إذ تصل نسبتها في بعض الأجهزة الحكومية أكثر من 20%، وهو الأمر الذي يستنزف الموازنات العامة للدول.

تبدو البيئة الحاضنة للبطالة المقنعة مهيئة بفعل وجود فائض كبير من الموظفين لشغل وظائف قليلة جداً، بالإضافة إلى الوساطة والمحسوبية في التعيين، والنتيجة تكدس الهيئات الحكومية بأعداد تفوق الحاجة.

الواقع، أن البطالة المقنعة تأخذ أشكالاً متعددة، فمن هؤلاء من يحصل على إعانات بطالة وهم قادرون على القيام ببعض الوظائف، وهناك الذين أُجبروا على التقاعد المبكر، وكذلك الذين يتقاضون رواتبهم مقابل وظائف غير منتجة، وهذا النوع الأخير منتشر بدرجة أكبر في قطاع الخدمات، لذلك فإن معدلات البطالة الرسمية تنقصها الدقة؛ لأنها تستبعد هذه النوعيات من الإحصاءات، بينما هي الأكثر خطورة على الاقتصاد.

ظاهرة «العاملون الذين لا يعملون» تنتشر بوضوح في المؤسسات الحكومية في العالم العربي، أكثر من القطاع الخاص

ولكي نوضح الفكرة بشكلٍ مبسط، علينا أن نتصور مصنعاً يحتاج إلى 5 عمال فقط لإنتاج سلعة عالية الجودة، فإذا افترضنا أن عدد العمال أقل من 5، فسيكون المنتج أقل جودة، لكن إذا تزايد العدد إلى 8 مثلاً، فإن هذه الزيادة لن تضيف شيئاً للإنتاج أو الجودة، وهؤلاء الزائدون عن الحاجة يمثلون ركن البطالة المقنعة، ولهذا، يمكن توقع خسارة اقتصادية فادحة لكلا الجانبين، فمالك المصنع سيخسر طاقته الإنتاجية المهدرة، بينما يخسر عماله أجوراً أفضل، لأن ميزانية الأجور التي كانت ستوزع على 5 فقط سيتم توزيعها على 5.

والحقيقة، أن ظاهرة «العاملون الذين لا يعملون» تنتشر بوضوح في المؤسسات الحكومية في العالم العربي، أكثر من القطاع الخاص، إذ تساهم بقوة في تكدس موظفين معينين لاعتبارات غير إنتاجية، ناهيك عن كونها اعتبارات غير عادلة في أحيانٍ كثيرة، ما يؤخر إنجاز الأعمال بكفاءة، حيث يتزاحمون بأعداد هائلة منذ الصباح الباكر بشكل يومي على إثبات حضورهم، دون إسهام حقيقي في الناتج الوطني، ولهذا، يتعين التصدي للظاهرة عبر إصلاح اقتصادي يتضمن إعادة تقييم الموظفين بشكل دوري، وعدالة التعيينات الوظيفية، وتحديد المهارات والمؤهلات المطلوبة لإنجاز العمل.