الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

انتكاسات العولمة

شهدت العولمة في العقد الأخير عدة انتكاسات على أكثر من صعيد، فرغم كل ما تحقق سابقاً من تسارع في العولمة، فإن السنوات الماضية جاءت بعدد من الأحداث التي غيّرت النظرة لفوائدها من الناحية الاقتصادية وأظهرت مخاطر كبيرة تتعلق بها.

أول التحديات الحقيقية التي واجهتها العولمة كان خلال أزمة الديون الأوروبية عندما اضطرت الدول القوية أن تدعم الدول الأضعف حفاظاً على منظومة العمل المشترك، وتمكنت أوروبا من تجاوز تلك المرحلة وإن كان ذلك قد حصل بكلفة كبيرة.

قبل أن تنجلي أزمة الديون تصاعدت الضغوطات على رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون لإجراء استفتاء حول البقاء في الاتحاد الأوروبي، فوافق في النهاية معتقداً أن نتائج استطلاعات الرأي ستنعكس في التصويت الفعلي وتبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وكانت الصدمة. صوتت أغلبية بسيطة في 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وبدأت مفاوضات لتنفيذ الاتفاق لم تكتمل إلا في 2020، ومرة جديدة زاد الحديث عن أولوية المصالح الوطنية على المصالح الأممية المشتركة.

لا أرى أننا في وضع لخروج العالم من العولمة، ولكن استمرار الأحداث قد يؤدي إلى انحسارها

ثم جاء دونالد ترامب رئيساً لأمريكا، وهو لم يكن يخفي توجهاته التي يرى فيها أن أمريكا تضررت من اتفاقيات التجارة الدولية ما جعل الصين وحتى الاتحاد الأوروبي تستفيد على حساب الدولة الأقوى في العالم، وقد قضى معظم سنين ولايته الوحيدة في سجالات وفرض عقوبات على دول كثيرة، وقيّد عمليات الهجرة إضافة إلى تغريداته المستمرة حول وجوب إعادة الصناعة الأمريكية إلى عقر دارها.

في السنة الأخيرة من ولاية ترامب، بدأت جائحة كورونا لتؤكد مخاوفه ومخاوف معارضي الإفراط في العولمة، فرأينا معظم الدول تهتم أولاً باحتياجاتها الغذائية والطبية والمعيشية بغض النظر الاتفاقات الدولية، وصولاً إلى مشاكل سلاسل الإمداد عندما ظهرت عدم قدرة الكثير من الدول الحصول على مستلزماتها من الأدوية واللقاحات والأغذية بسبب الاعتماد على منظومة دولية ليس لتلك الدول تأثير عليها.

الانتكاسة الكبرى هي التي نعيش فصولها حالياً بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، والقصد هنا الكم الهائل من العقوبات ومصادرة الأموال على الشركات والأفراد الروس بلا أي تحقيقات أو محاكمات حول ضلوعهم في قرارات حكومتهم من عدمه. من جهة أخرى، تعرضت الشركات الأجنبية التي تعمل في روسيا إلى خسائر بالمليارات بسبب اضطرارها للخروج من روسيا بشكل مفاجئ.

لا أرى أننا في وضع يتجه فيه العالم للخروج من العولمة بعد، ولكن استمرار الأحداث على المسرح الدولي بنفس الطريقة لسنوات قادمة قد يؤدي إلى بداية انحسار الحماس للعولمة.