الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

السودان بين الواقع والأفلاطونية

يجب ألا يكون بناء دولة سودانية جديدة عملية سياسية طويلة الأمد، بل يجب أن تكون موجزة ومستمرة، وأن تركز على إعادة بناء مؤسساتها وشرعيتها وقدرتها على تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للمواطن كالأمن والعدالة وسيادة القانون والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والرفاه.

لكن ما ينزع صفة المؤسسية والعملية التحليلية في المشهد السوداني، هو أنه لا زال يخضع للتصدعات الداخلية المستمرة، علاوة على الضغوط الخارجية التي لم يتمكن قادة الفترة الانتقالية من إدارتها حتى الآن، لإظهار ما يمكن أن يقنع المجتمع الدولي برفع العقوبات المفروضة على البلاد.

في هذا السياق فإن الطرح الذي يسوغ لمثالية الدولة السودانية الجديدة هو طرح أفلاطوني، ولكن الواقعية تقتضي عدم الاستعجال في هذا الاتجاه حتى تنضج الأمور، بكل فحواها وبالأغراض والالتزامات التي تمثل تشكيل كامل لسيادتها من أمن ونظام عقد اجتماعي، وبنية تحتية، وتوازن في القوى، مع الاستثمار في رأس المال البشري هذا بالإضافة الى مبادئ ممارسة العلاقات الدولية.


لعلّ ما نلمسه اليوم في البلاد يستدعي التوعية الكافية لمفهوم الحرية وحقوق الإنسان، حتى لا يمارس انتهاك للإنسانية في ذاتها، وتحوّل الديمقراطية إلى وصفات تكرّس حالات ضمور للحرية والعدل تكرس الاستبداد الضمني دون إدراك مما، يجعلها ظاهرة تتأرجح بين اللاوعي والانكفائية في ظل سياق تشتتي بذات المضامين وبمبدأ السيادة والاستقلال الذاتي.


ينبجس سؤال المؤسسسية والخصوصية في العديد من الظواهر الفكرية والسياسية السودانية، وعن بناء هذه الدولة من الحركيات التي تستدعي الاهتمام في الحقل الاجتماعي، خاصة وأنها ظاهرة ديناميكية أفرزتها متغيرات الانتماء، وربما سيكون الحل الأنسب هو «أنسنة» بناء الدولة السودانية نظرا لأنه منطق الأنسنة قائم على اللامركزية.

نرى أن الحل التحليلي المعرفي لا يتمثل في الالتزام بالمعايير، ولا التركيز فقط على متغير الواقع ولا اعتماد مزيج بين ما هو المعياري وما هو المتحضر، بل العودة إلى المفهوم الحقيقي للكونية السودانية في كيانه الذي يجعل الإنسان المحرك الحيوي للدولة من خلال أنسنة العملية السياسية بشعور من الشفافية والحرية، والتي تعمل على خلق روح تهدف إلى توضيح الرؤية عن طريق الاختلاف البناء فيما يتعلق بحركات فكرية متعددة على عكس جدلية الأنانية والإستئثار.