الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

فرنسيس.. الشرق الأوسط وزمن بناة الجسور

منذ أن وطأت قدماه أرض الشرق الأوسط خلال زياراته الأخيرة لتلك البقعة المضطربة من العالم، بدا جلياً أن بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس مهموم ومحموم بشؤون أناسها، شيبها وشبابها، وكل من يعيش على أراضيها.

لا يفرق الحبر الأعظم بين المسلمين والمسيحيين أو اليهود، فالجميع عنده إخوة، وهذا ما توقف معه في وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في أبوظبي في شهر فبراير المنصرم.

يدرك فرنسيس أن العائلة البشرية في حاضر أيامنا في اختبار صعب ومثير، إنه اختبار شجاعة الاختلاف، ذلك أنه إن كنا نؤمن بوجود العائلة البشرية، فيجب بالتالي المحافظة عليها كعائلة، وكما في كل عائلة، يكون ذلك أولاً من خلال حوار يومي وحقيقي، وهذا يستلزم هوية شخصية لا يجب التخلي عنها لإرضاء الآخر، لكنه يتطلب في الوقت عينه شجاعة الاختلاف، تلك التي تتضمن الاعتراف الكامل بالآخر وبحريته، وما ينتج عنه من التزام ببذل الذات، كي يتم التأكيد على حقوقه الأساسية في كل مكان، ومن قبل الجميع، لأننا بدون حرية لا نكون بعد أبناء العائلة البشرية وإنما نكون عبيداً.

والشاهد أن مسالة حرية العبادة تبقى واحدة من متناقضات عصرنا الحالي، فعلى الرغم من الاهتمام بحقوق الإنسان، وبمسايرة التقدم التكنولوجي، وثورة الشبكات المعرفية، والهرميات السلطوية حول العالم، إلا أن حرية العبادة تبقى موضع قلق لما يجري من حولها ويلفها من تضييق في الكثير من بقاع وأصقاع العالم.

كانت زيارة فرنسيس للإمارات بنوع خاص تجربة رائدة لإظهار مساقات التعددية والتسامح الخلاق على أرض الإمارات العربية المتحدة حيث تنصهر جنسيات وأعراق وأقوام من مشارق الأرض إلى مغاربها، ويحميها قانون يجرم ازدراء الأديان أو الاستهانة بمعتقدات الآخر.

نهار الأربعاء الفائت كان فرنسيس وفي لقاءه الأسبوعي بالزوار والحجاج في ميدان القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان يخاطب سكان الشرق الأوسط من خلال العرب الحاضرين اللقاء، وفيما هو يتحدث يأخذ في ذهنه أحوال الصراع والشقاق والفراق القائم في الكثير من دوله، والعنف الأعمى والدموي الذي يتهدد الجميع على أرضه، ولهذا فتح الرجل ذو الثوب الأبيض فاه بالقول: «أيها الأخوة والأخوات، أمام الكثير من المعاناة في زمننا هذا، فلنطلب من الرب أن يجعل منا بناة جسور.. ولنفتح قلوبنا على حاجات الأكثر فقراً ومن هم بلا دفاع، والعاطلين عن العمل ومن يطرقون بابنا بحثاً عن خبز أو مأوى أو اعتراف بكرامتهم».

دعوة البابا فرنسيس تعني شيئاً واحداً.. الجسور لا الجدران هي الحل.