السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

النهضة الغادرة.. حتف سياسي قريب

لم يكن وصول راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، إلى رئاسة البرلمان مفاجأة أو حدثاً خارج احتمالات المشهد السياسي التونسي، إلا أن اللافت في حدث الأربعاء الماضي كان الطريقة التي وسمت تحوّل الغنوشي إلى رأس السلطة التشريعية في تونس.

احتاجت حركة النهضة للنجاح في الوصول برئيسها إلى قمة البرلمان، إلى إجراء مفاوضات «مضنية» مع أحزاب كثيرة، إلا أنها تحالفت في الساعات الأخيرة قبل عقد الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الجديد مع حزب قلب تونس.

كان ذلك التحالف مفاجئاً للمتابعين ولقواعد النهضة لاعتبارات كثيرة، حدثت وقائع تبادل إطلاق نار كثيف بين الطرفين في الأشهر الأخيرة. شددت النهضة على لسان أغلب قياداتها، أنها «لن» تتحالف مطلقاً مع حزب عليه شبهات فساد، وواظبت قيادات قلب تونس على ترديد لازمة استحالة التحالف مع طرف موسوم بشبهات الإرهاب.


عزز الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية من الهوة بين الطرفين، حيث ساندت النهضة الرئيس قيس سعيد، وأطنبت قواعدها في استعراض كل «مثالب» القروي. قفزت النهضة على «لن الزمخشرية» التي رددها شيخها في أكثر من إطلالة إعلامية، وفتحت قنوات اتصال سرية مع قلب تونس منذ أيام توجت بتصويت كتلة حزب القروي للغنوشي رئيساً للبرلمان مقابل مقايضة تقوم على تمكين قلب تونس من حقائب وزارية والتصويت لمرشحته لمنصب نائب رئيس البرلمان.


ما هو أعمق من مجرد طموح النهضة في الوصول لرئاسة البرلمان، أن الحركة تبحث عن تعزيز مواقعها في مؤسسات الدولة، لكنها تجر وراءها جبلاً من الملفات التي تحرص على قبرها (قضايا التسفير والإرهاب والجهاز السري) ولذلك تحرص على خوض تحالفاتها بمنطق يتقصّد انتقاء حلفاء ضعفاء أو ممن يتوفرون على ملفات يسعون إلى قبرها، وفي الأمر استعداد دائم للمقايضة والاعتماد المتبادل.

تراجع محصول النهضة في الاستحقاق الانتخابي الأخير، فواجهت عسراً كبيراً في بناء تحالفات مع أحزاب وطنية ومدنية، وفهمت أن تشكيل الحكومة لن يكون يسيراً، وقدرت أن خططها لإيصال الغنوشي إلى رئاسة البرلمان لن تكون مفروشة بالورود، فركنت إلى مواقعها القديمة في بناء التحالفات السريعة حتى مع ألدّ الأعداء.

لن يكون يسيراً على النهضة أن تقنع أحداً بأن هدفها من التحالف الأخير هو مصلحة الوطن، ذلك أن المصالح الحزبية ماثلة بقوة في الحدث الأخير.

تمضي النهضة سريعاً نحو الإطباق على مؤسسات البلاد، وتمضي بالسرعة نفسها إلى حتفها السياسي بعد أن حرقت أغلب أوراقها لدى خصومها ولدى قسم كبير من قواعدها، الذين صدّقوا وعودها الانتخابية ومدونتها الأيديولوجية.