الأربعاء - 22 مايو 2024
الأربعاء - 22 مايو 2024

إيران.. الإدانة والإخماد

إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء الماضي، «إخماد اضطرابات الشوارع والانتصار على الأعداء الخارجيين للجمهورية الإسلامية»، يمثل لياً لعنق الحقائق السياسية في إيران وفي المنطقة.

قبل الحديث عن «الإخماد» الرسمي الإيراني، اندلعت احتجاجات واسعة في مدن إيرانية متعددة، عبّرت عن الامتعاض الشعبي من زيادة أسعار البنزين، على أن جوهر الاحتجاجات ودواعيها أعمق من ذلك.

زيادة أسعار البنزين كانت مجرد عَرَض أو نتيجة لسياسة دأبت على النظر خارج البلاد، وكانت بدورها ترجمة لما واظبت طهران على تسميته «تصدير الثورة»، وهي سياسة بدأت منذ السنوات الأولى من الثورة الإسلامية، ووصلت إلى حد تباهي علي رضا زاكاني، النائب في البرلمان الإيراني، في سبتمبر 2015 بسيطرة طهران على 4 عواصم عربية.


تصدير الثورة الإيرانية تحول إلى منهج سياسي لم يتغير بتغير القيادات والرؤساء، ووفر لطهران وعياً سمح لها بأن تمد يدها نحو كل المكونات المذهبية والاجتماعية في المحيط القريب من إيران، من أجل دفعها نحو «الثورة والانقلاب على أنظمتها»، وهو ما يعني مزيد تكريس المركزية الإيرانية.


منهج سياسي تُرجم، عملياً، في إثارة النعرات الطائفية في المنطقة العربية، وفي تأسيس ميليشيات وأحزاب طائفية في المنطقة العربية، ودعم كل التعبيرات الميليشياوية التي لا تعترف بالدولة، وصولاً إلى تسييس الحج وتحويله إلى ما يشبه مظاهرة شيعية، وكانت لهذه السياسة كلفة مادية وبشرية باهظة، بدأت بالأقطار العربية التي طالتها أصابع الأخطبوط الإيراني، وانتهت بأن ألقت بظلالها على الشعوب الإيرانية التي أنَّتْ طويلاً من نتائج هذه السياسة على مستوى عيشها وعلى مقدرتها الشرائية.

بهذا المعنى لم تكن الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة مجرد امتعاض من إعلان زيادة أسعار المحروقات، بل هي إدانة شعبية للسياسة الإيرانية المعتمدة منذ عقود، وإعلان القيادة الإيرانية «إخماد» هذه الاحتجاجات بطريقة قمعية، لم يغير من الحقائق الإيرانية شيئاً، إذ تتضافر هذه الاحتجاجات مع حركات سابقة اندلعت في لبنان والعراق، وكلها تعبر عن رفض شعبي لسياسة الشطرنج الإيرانية على الرقعة العربية.

قد تتوقف هذه الحلقة الاحتجاجية الإيرانية مؤقتاً، لكنها ستستأنف أشغالها قريباً، طالما أن دواعيها متوفرة في السياسية الإيرانية، ولا نتصور أن الاحتجاج الإيراني يطرح على نفسه إسقاط الدولة، تبعاً لكونه استفاد من «التجارب الاحتجاجية المقارنة»، بل أقصى ما يتقصده هو إعادة النظام الإيراني إلى إيران، والكف عن العبث الطائفي في المنطقة، والتحول إلى دولة طبيعية تخدم شعبها بدل التركيز على إثارة الأحقاد الطائفية.