السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

جونسون وطريق بريطانيا العالمية

عُرفت بريطانيا حتى نهايات الحرب العالمية الثانية بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بمعنى أن مستعمراتها متناثرة في شرق الكرة الأرضية وغربها.

غير أن الأيام دول، وعليه فقد سارت على درب الإمبراطوريات التاريخية وحركة الكون، تلك التي تخبرنا بالتداول المستمر بين البشر والشعوب، ولعل من رأى الصورة الشهيرة لمؤتمر يالطا، حيث اجتمع المنتصرون في نهايات الحرب العالمية الثانية، يرون كيف أن جوزيف ستالين، وفرانكلين روزفلت قد جلسا في طريقهما لتقسيم العالم بصورة تنم عن أن العالم المعاصر قد بات غنيمة بينهما، وأن حصة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العنيد قد تضاءلت إلى حد العدم.

فقدت بريطانيا بعد حرب السويس عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر تحديداً حضورها الإمبراطوري حول العالم، وذلك إثر إنذار أيزنهاور الشهير، وتوارت وراء البحار، وإن لم تفقد حضورها السياسي والأمني والاستخباراتي في العالم القديم، إلى أن وافقت على الشراكة في الاتحاد الأوروبي.

ما الذي اعترى بريطانيا لكي تسعى إلى الخروج من الاتحاد الذي كان ذات يوم حلماً بالنسبة للأوروبيين؟

الشاهد أن الإجابات عديدة، وأحدثها وربما أهمها ما أشار إليه رئيس الوزراء بوريس جونسون، قبل أيام قليلة من الانتخابات التشريعية البريطانية، إذ أشار وبالنص إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، يعني استعادة البلاد للسيطرة على قوانينها وأموالها، وأَلَقها ونفوذها حول العالم، ويساعدها في ضبط السياسة المتبعة حيال الهجرة، ويضع حداً لحرية تنقل الأشخاص من خلال تعزيز أنظمة المراقبة.

هل كانت فكرة الوحدة الأوروبية فكرة في غير موضعها حين وافق الأوروبيون عليها؟

لا يزال عدد فاعل من دول أوروبا يؤكد على أهمية وضرورة الوحدة، مثل فرنسا التي هي قلب أوروبا السياسي النابض، وألمانيا التي تمثل المحرك الاقتصادي والمالي للقارة الأوروبية.

غير أن غياب بريطانيا سوف يضعف، ولا شك، قوة هذا الاتحاد الأوروبي، لا سيما من الناحية العسكرية والأمنية، فقد كانت بريطانيا ولا تزال قوة لا يُستهان بها، ولها حضور ونفوذ كبيران.

ماذا الآن، بعد أن حقق حزب المحافظين انتصاراً كبيراً على نظيره حزب العمال وحصد نحو 358 مقعداً، مقارنة بـ203؟

المؤكد الآن أن الطريق إلى البريكست، بات على الأبواب، أي في 31 يناير المقبل، وهذا ما قد وعد به جونسون ناخبيه قبل الاقتراع، وعاد وأكد عليه في خطاب الفوز.

لكن الأهم هو سيرة ومسيرة بريطانيا بعد الانسحاب من البريكست وإلى أين يمضي؟

يمكننا الرجوع إلى تصريح مثير لفتت إليه رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي، قبل أن تترك منصبها بأسابيع قليلة، وخلال المفاوضات المضنية للوصول إلى صفقة خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي.

ماي تحدثت عن زمن ما أسمته بـ«بريطانيا العالمية»، وبغير جهد كبير يمكن للمرء أن يتفهم أن لدى بريطانيا رؤية خاصة لدورها حول العالم في العقود المقبلة، وهو دور ينطلق من الماضي إلى الحاضر.

تدرك العقول السياسية البريطانية الكبرى أن العالم في حالة تحول جيوبوليتكي جذري، وأن خرائط جديدة ترسم جغرافيا وديموغرافيا مختلفة كل الاختلاف عن عالم ما بعد يالطا، وعليه ربما وجدت أن من صالحها أن تتحرر من أي التزامات يفرضها الاتحاد الأوروبي عليها، أو عوائق توضع في طريقها.

إنه زمن بريطانيا العالمية.. كيف ذلك؟ إلى قراءة أخرى بإذن الله.