السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

جزائر ما بعد الرئاسيات

شهدت الجزائر يوم الخميس الماضي انتخابات رئاسية تنافس فيها 5 مرشحين، كلهم ينحدرون من دائرة نظام سياسي أسقطه ضغط الشارع الذي تواصل لشهور متتابعة، لكن مرور هذه الانتخابات التي أسفرت عن فوز عبدالمجيد تبون وسط احتجاجات شعبية رافضة ومشككة في نتائجها، تثير أمامنا جملة من الأسئلة ذات الصلة بمستقبل الاستقرار السياسي في الجزائر أهمها:

هل تدخّل الجيش في صناعة الانتخابات وإفراز رئيس لها على مقاس يخدم الجزائر ويحقّق تصالحاً موضوعياً بين الدولة والمجتمع؟.. ألم يتساءل الجيش، انطلاقاً من واقع احتجاجات الشارع العربي وما عرفته الجزائر مؤخراً من تظاهرات قوية تنمّ عن وعي سياسي حاد، حول إمكانية الاستفادة ممّا يجري عن طريق إصلاحه الداخلي وتحوّله إلى جيش وطني بالدلالة الديمقراطية؟

الواقع أن «انتخاب» عبد المجيد تبون، وهو من المقرّبين لرئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، سيُدخل الجزائر في مرحلة حرجة، يكون لها ما بعدها.


ومن مؤشرات هذا القلق، رفض فئة من الجزائريين لهذه النتائج واعتبارها حسب شعاراتها المرفوعة، أن الرّئيس لا يمثّلهم، بمعنى أن منطلق العهد الجديد بدأ متوتّراً وغير قادر على تَمْتين الثّقة ما بين المواطن والدولة، ممّا جعل فكرة الإصلاح التي يرفعها الجيش غير موثوق فيها، وليست لها أيّ جاذبية اجتماعية تضمن الحدّ الأدنى من انخراط المواطن في إنجازها المشترك.


ثاني المؤشّرات أن الجزائريين من خلال حراكهم الأخير قد أفاقوا وعيهم التاريخي، الذي ظل نائماً لفترة، لمباشرة التغيير الممكن، ولن يفتر هذا الوعي، كما هو معروف في الشخصية الجزائرية، إلا بإرضاء أفق انتظاره مجسّداً في الديمقراطية والكرامة.

لم يستوعب الجيش ما يحدث في العالم وفي البلاد العربية من تحولات عميقة، إذ لم يعد يقبل الفرد بالأمر الواقع وبالغلبة المادية للدولة، كما لم يستوعب أن سلطة الجيش اليوم، أصبحت بالفعل هشّة أمام إرادة جديدة للشعوب أصبحت تتشكّل سريعاً عبر وعي عالمي طارئ أساسه وسائط التواصل الاجتماعي.

كان في مقدور الجيش أن يشرف على الانتخابات الرئاسية بكثير من الموضوعية، وأن يجعل منها حدثاً تاريخياً للمصالحة بين مؤسسته والمجتمع بتمكين الأحزاب من التنافس السياسي الديمقراطي، وقطع الطريق أمام أبناء النظام، والأوراق المحروقة شعبياً، وأن يجعل منها عنواناً لتأسيس مرحلة جديدة من التاريخ الوطني الجزائري.

ثم مؤشر آخر، هو: أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يشجع على استمرار الآلية التقليدية للجيش، الذي يمارس حضوراً مركّباً هجيناً، ممثّلا في الحضور العسكري والمالي والسياسي، إذ إنّ مجتمعات العالم اليوم أمام تعقّد أزماتها المتلاحقة لم تعد تتحمّل تمركز ثلاثية السياسة والمال والجيش في قطب واحد مستقل عن إرادة الشعب.

وعليه، أعتقد أن الاحتجاجات في الجزائر ستستمر، إلاّ بحصول تغيير سياسي عميق يضمن للجزائريين حقّهم في العيش الكريم.