السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

شرق المتوسط.. صراع النفوذ

إن المتابع للتطورات الحاصلة شرق البحر الأبيض المتوسط بين الدول المطلة عليه والمجاورة لها وأخرى من خارج المنطقة، يدرك أنّ ما يجري هو صراع جيو- سياسي بامتياز، وفي مستوى منه هو صراع بين من يريد الإبقاء على قواعد اللعبة والاشتباك المعمول بها وبين من يريد تغييرها.

فقضايا الطاقة وخطوط الأنابيب والحصص والموانئ والحدود البحرية أسباب ودوافع مهمة، لكن مسائل السيطرة والتحكم هي العنوان، والملاحظ اليوم أنّ هناك خمس مناطق حيوية في الشرق الأوسط وما حوله يجري فيها صراع نفوذ وتموضع هي: ( البحر الأبيض، البحر الأحمر، الخليج العربي، حوض النيل، شرق الفرات)، وتكون هذه المناطق ساحة صراع أولي وفي الواجهة بحسب حركة إيقاع الأحداث فيها وسخونة الملفات والأجندة.

واليوم ومن خلال خريطة الصراع في شرق المتوسط، نلحظ وجود 3 مجموعات تتفاعل مع ما يجري فيه: دول تقع مباشرة عليه (مصر، سوريا، لبنان، تركيا، قبرص، اليونان، ليبيا، إيطاليا، «إسرائيل»..)، ودول مجاورة لدوله هي ( إيران، العراق، الأردن، السعودية..) ودول من خارج منطقته (أمريكا، روسيا، الصين..). وهناك أيضاً سباق مع الزمن بين دوله لتوقيع الاتفاقيات وصياغة التفاهمات، فقد وقّعت قبرص اليونانية مثلاً اتفاقيات الجرف القاري مع مصر عام 2003 و2013، ومع لبنان في 2007، ومع «إسرائيل» في 2010 وفي 2017، اتفقت اليونان وقبرص وإيطاليا و«إسرائيل» على بناء خط من أجل نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.. ولغاية اتفاق التفاهم الأخير بين تركيا وليبيا.


واليوم من يتمكن من أطرافه إلى جانب موضوع الأحقيات والشرعيات والحصص والحدود البحرية ومرجعية القوانين الدولية، أن يفهم جيداً خريطة الصراع، وأن يمتلك القدرة على اللعب بالأوراق الرابحة وتشكيل المحاور والتمتع بالتكتيك المناسب، إضافة إلى امتلاك القدرات العسكرية والاقتصادية اللازمة والتموضع الاستراتيجي السليم وجبهة داخلية قوية، يمكن له أن يحقق مكاسب استراتيجية كثيرة ويتخذ قرارات تاريخية كبرى.


أخيرا، وبالرغم من أنّ مشهد الصراع في شرق المتوسط يبدو معقداً، إلاّ أنّنا ربما أمام قواعد اشتباك جديدة بمعطيات مختلفة قد ترسم خريطة نفوذ ومصالح جديدة، وإن تم هذا فمن الممكن أن يُسقط على بقية المناطق الحيوية في الشرق الأوسط وما حولها، خصوصاً أنّ أحد مستويات الصراع فيه تتم بشكل غير مباشر بين بلدانه ودول خارجية بعيدة عنه.