الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

عام الانتفاضات الإنسانية

شهد عام 2019 حراكاً للشارع في أنحاء العالم.. لم يكن الأمر وقفاً على بلداننا العربية؛ في السودان والجزائر ولبنان والعراق تحديداً؛ لكن وجدنا الشارع في فرنسا يتحرك عبر «السترات الصفراء»، وفي «هونغ كونغ» بالصين، وفي تشيلي، وفي إيران وغيرها؛ هنا لم يعد الأمر وقفاً على منطقة بعينها أو دول عاشت تحت نظم ديكتاتورية ومجتمعات تربع فيها الفساد، واشتد الفقر؛ الأمر مختلف هذه المرة؛ في قلب النظم الديمقراطية ظهرت الاحتجاجات والانتفاضات العنيفة وفي المجتمعات التي تتميز بدخل مرتفع للفرد وجدنا حراكاً للشارع.

هذا كله يعني أن الأفكار والنظريات التقليدية، التي سادت طوال القرن العشرين في فهم الانتفاضات والاحتجاجات، لم تعد كافية لتفسير ما يجري.. لقد حصرت تلك النظريات الاحتجاج في الفقر وسوء الأوضاع المعيشية؛ أي في غياب العدالة الاجتماعية أو انتشار الديكتاتورية وتراجع مظاهر الديمقراطية؛ وربما كان ذلك مقبولاً زمن الحرب الباردة؛ لكن منذ سنة 1990 تفجرت هموم وقضايا جديدة؛ بعضها يتعلق بالهوية الوطنية، وبعضها يرتبط بالمشاعر الدينية والمذهبية، وبعضها يتعلق برفاهية الإنسان وليس مجرد الحصول على الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن.

ويبدو أن الإنسان؛ المواطن الفرد، يتململ ويشعر بعدم الرضا وافتقاد الطمأنينة، فضلاً عن قدر من التهميش؛ كما أن المؤسسات التقليدية كالبرلمان والمجالس المنتخبة لم تعد تعبر عنه بالقدر الكافي؛ ناهيك عن أنها تكلست حتى في أعظم الديمقراطيات ولم تعد تقوم بدورها كما ينبغي، عدم الرضا وافتقاد الطمأنينة؛ يمكن أن نجدها في افتقاد الإجماع أو اتفاق أغلبية كبيرة على أمر ما في أي مكان بالعالم؛ بريطانيا والخروج من الاتحاد الأوروبي شاهد.


وإذا كانت النظم الاستبدادية والطائفية تقهر الفرد؛ فإن النظم الديمقراطية تفعل ذلك بوسائل ودرجات مختلفة؛ وباتت الديمقراطية بحاجة إلى التجديد في وسائلها وأدواتها ومحدداتها أيضاً؛ ما يجري في الولايات المتحدة اليوم خير شاهد.


الإشارة إلى ما يجري في العالم من حولنا؛ وفي البلاد التي توصف بالمتقدمة؛ لا يعني أننا نريد القفز إلى الأمام والهروب من همومنا، ولا أننا نسعى إلى التهوين والتبسيط من الأزمات والمشكلات في عالمنا العربي؛ حيث الطائفية المقيتة والتي أخذت بعداً مؤسساً، وتجذرت في بعض الدول وجماعات الإرهاب والتشدد من جانب آخر واتخاذ الدين ستاراً وغطاء لأيديولوجيا التوحش والهدم؛ فضلاً عن الفساد الذي يزداد الطلب الاجتماعي عليه والرفض العلني والإدانة له في الوقت نفسه؛ واستبداد اجتماعي يفوق زميله السياسي في حالات كثيرة.