الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ليبيا.. العثمنة وسياقات التبرير

ما يجري في ليبيا من تزامن عجيب بين الجهد العسكري التركي، وبين محاولات تبريره تاريخياً ودينياً، يوحي بأن التحرك التركي نحو ليبيا ليس مجرد نقلة عسكرية على رقعة شطرنج ضفاف المتوسط.

المتابع لمجريات الأوضاع الليبية في الآونة الأخيرة، يلحظ إصراراً تركياً على تسريع التدخل، نصرة لحكومة الوفاق ضد تحركات الجيش الوطني الليبي، ويتلمّسُ أيضاً سعياً محموماً، من جهات إخوانية ليبية وعربية، إلى تأصيل هذا التدخل الخارجي التركي، تاريخياً ودينياً.

على ذلك نشطت وكالة الأناضول، وغيرها من المواقع التركية والليبية، ونشرت الكثير من المقالات والتقارير التي تستدعي التاريخ العثماني في ليبيا، وتعتبر التدخل التركي ضرباً من الواجب التاريخي والحضاري.


لقد اجتهدت وكالة الأناضول التركية في نشر وثائق محفوظة بالأرشيف تسلط الضوء على مراحل من تاريخ العلاقات التركية الليبية، التي تزايد الحديث عنها منذ مصادقة البرلمان التركي على مذكرة تفويض رئاسية لإرسال قوات تركية لصد «العدوان» على الشعب الليبي وحكومته المعترف بها دولياً، وذهب أستاذ الفلسفة التونسي أبو يعرب المرزوقي بعيداً حين اعتبر أن «العرب ليس لديهم ما يخيفهم من تركيا».


ثم تلاه تصريح القيادي الإخواني الليبي «علي الصلابي»، في مقابلة مع وكالة الأناضول، بكون العثمانيين دخلوا إلى ليبيا بطلب من أهلها، لتحرير بلدهم من الإسبان ثم فرسان مالطا، وأكد أن: «الإصلاحات العثمانية أسهمت في نهضة ليبيا لاحقاً».

تزامن كل ذلك مع تشديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن «تركيا تتواجد في ليبيا لإنهاء الظلم فقط، وذلك بناء على دعوة تلقيناها منها».

التزامن الغريب بين الوقائع الميدانية، وهذه التبريرات الفكرية والتاريخية، يوحي بأن المستجد الليبي بما يتضمنه من تدخل تركي، مرفوض من أغلب العواصم الإقليمية العربية، وهو أبعد من مجرد مناصرة حليف إخواني.

يحرك أردوغان قواته العسكرية نحو ليبيا، ليس فقط أملاً في إنقاذ حكومة السراج الإخوانية من تقدم الجيش الوطني الليبي، نحو العاصمة طرابلس ونحو استرجاع الدولة الممزقة بالميليشيات، بل أيضاً لأن هدفه من اللعب بالقوة العسكرية في سوريا وفي ليبيا هو تشتيت انتباه مواطنيه عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أولاً، والسعي لمشاغلة أوروبا ومقايضتها بهذه التحركات الجديدة.

التبرير للتدخل التركي في ليبيا حنين للدولة العثمانية، واستحضار لمسوّغات دينية وفقهية متعسفة، يقابله سعي تركي رسمي لليّ عنق التاريخ والجغرافيا واعتداء على سيادة الدول، وبين التبرير المنجز التركي والدواعي الحقيقية له، يتحول الإسلاميون إلى محامين للشيطان، والقاسم المشترك بين الفاعل والمبرر مصلحة الجماعة قبل الوطن.