الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

إيران وترامب والعالم العربي

استوعبت إيران جيداً دروس حربها مع العراق لسنوات ثمان وحفظتها عن ظهر قلب، وكان أهم تلك الدروس أنه لا يجب أن تخوض حرباً أبدا داخل حدودها وعلى أراضيها، لذا عملت على أن تمد أظافرها خارج الحدود، وأن تؤسس المليشيات هنا وهناك، تأتمر بأمرها وتخوض نيابة عنها حروبها، فإذا أرادت أن تشتبك مع إسرائيل جرى ذلك على الأراضي السورية، وإذا أحبت الولايات المتحدة تصفية قاسم سليماني كان في بغداد وفي محيط مطارها الدولي، أما إذا رغبت في مضايقة المملكة العربية السعودية فعبر صواريخ الحوثيين وتحريك الملف اليمني، وهي لا تظهر أبداً بشكل مباشر، بل تظل شبحا مَخيفا في كواليس المشهد، يظهر ويختفي وقت اللزوم.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعي جيداً هذه الاستراتيجية، لذا يحرص على أن ينقل الأزمة إلى داخل الحدود الإيرانية بتوجيه الرسائل بالفارسية إلى المتظاهرين الإيرانيين، وفرض العقوبات على عدد من القيادات الإيرانية بما يعنى اتهامهم بالفساد المالي، ويضغط اقتصادياً على الملالي، بما يؤدى إلى إرهاق المواطن العادي، فلا يكون أمام هذا المواطن سوى الاحتجاج، وهو يعرف أن دخوله في حرب مباشرة على إيران يمنح النظام فرصة لأن يجمع حوله المواطنين دفاعاً عن الهوية الوطنية، لذا راح يعلن ويكرر أنه لن يخوض حرباً ضد إيران ولا يحبذ ذلك، وأن هدفه النهائي أن تجلس وترضخ إيران إلى مائدة التفاوض.

نحن لسنا إزاء لعبة القط والفأر التقليدية، لكننا أمام عقليتين تتناطحان ولا يتردد كل منهما بين حين وآخر في أن يدفع الأمور إلى “حافة الهوية”، وهي سياسة عرفتها الولايات المتحدة وجربتها من قبل، سنوات الرئيسين ايزنهاور وجون كيندي ونجحت فيها.


إن إيران فعلت الشيء نفسه سنة 1979 أيام احتجاز الرهائن داخل السفارة الأمريكية في طهران، ويبدو أن الظروف تسير لصالح ترامب، خاصة بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ بالخطأ فور إقلاعها من مطار طهران.


فالحادث كشف ضعفاً عسكرياً هائلاً لدى الحرس الثوري، وأنه بصدد جر الدولة الإيرانية خلفه في مغامرات ساذجة وأخطاء بلهاء، وهو ما انتفض بسببه الشارع في العمق الإيراني، أين مزق المتظاهرون صور سلماني وهتفوا ضد المرشد.

أياً كان الأمر، نحن مازلنا في بدايات مشهد معقد، ولم نصل إلى نهايته بعد، والسؤال المثير: إلى متى يبقى العالم العربي مسرحاً لتناطح الآخرين ومرتعاً لمغامراتهم ونزقهم أيضاً؟.