الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

جبة الغنوشي.. وربطة عنق البرلمان

يخلط راشد الغنوشي ـ زعيم حركة النهضة ـ بين صفته الحزبية ومسؤولياته على رأس السلطة التشريعية، وقد أنتج ذاك الخلط مساعي حثيثة من أطياف سياسية مختلفة، أدّت إلى طرح مبادرة لسحب الثقة من رئيس البرلمان.‍

الخلط المشار إليه ليس نابعاً فقط من الزيارة المفاجئة التي أداها الغنوشي إلى إسطنبول السبت ما قبل الماضي، أي يوم واحد بعد سقوط الحكومة المقترحة في البرلمان، بل ينبع أيضاً من كونه لا يزال محافظاً على موقعه في رئاسة الحركة، كما لا يزال يقدم الدلائل على كونه يتمايل بين الموقعين.‍

يذكر أن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي استقال يوم 31 ديسمبر 2014، من حزب نداء تونس بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في انتخابات العام 2014، بحكم أن مسؤوليته في الحزب تتعارض مع مسؤوليته كرئيس للجمهورية.‍


في تفاصيل الامتعاض التونسي من مواصلة الغنوشي الاضطلاع بالمسؤوليتين، أبعاد سياسية وأمنية وقانونية متداخلة.‍


لقد كان الحزب الدستوري التونسي، صاحب الموقف الأكثر وضوحاً من زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذْ أحصت عبير موسي رئيسة الحزب التجاوزات السياسية لحركة النهضة واعتبرت أن أحدث هذه التجاوزات تمثل في الزيارة التي قام بها الغنوشي إلى تركيا، والتي شهدت «لقاء مغلقاً مع أردوغان، والبرلمان والنواب على غير علم بهذه الزيارة، ومهما كانت الصفة التي استعملها الغنوشي للقيام بهذه الزيارة، فإن صفته كرئيس برلمان لا يمكن نزعها عنه في تنقّلاته».‍

لكن للقضية أوجه أخرى أكثر خطورة تتصل بالأمن القومي للبلاد، لأن «رئيس البرلمان يحضر اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي، ويعرف الكثير، وهذه الزيارة غير المعلنة يحفّ بها كثير من الغموض، وتثير تساؤلات جدّية عن ارتباطات النهضة بأطراف خارجية» وفق تنديد عبير موسي.‍

للأمر صلة بالمنهل الأيديولوجي لحركة النهضة، التي دأبت على الخلط داخل هياكلها بين الدعوي والسياسي، وهي سمة عامة لدى كل الأحزاب الدينية، لأن الفصل بين الديني والسياسي، سيفقدها جانباً كبيراً من«الطُّهرية» التي تسوّق بها برامجها لدى عموم الناس.‍

حاول الغنوشي أن يحافظ على جبة شيخ الحركة، بالتوازي مع ربطة عنق رئيس البرلمان، إلا أن محاولته التوفيق بين الرداءين أودت بالبلاد في مطبات قانونية ودستورية، في توقيت سياسي دقيق، ودلت أيضاً على أن هذه النتائج متوقعة ومنتظرة من حزب ديني ادّعى أنه قطع مع منطلقاته الدينية، إلا أن الدلائل على فشله لا تتوقف عن الانهمار.