الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أردوغان.. والتسلل إلى أفريقيا

يمكن للزيارة التي يقوم بها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السنغال على رأس وفد مهم من رجال الأعمال الأتراك، أن تشكل فرصة لتوقيع عدد من العقود والاتفاقيات الدسمة، مع المرجعيات التجارية السنغالية.

وتندرج هذه الزيارة في إطار مواصلة السياسة المكوكية الخارجية التي أسسها أردوغان منذ فترة، وزار خلالها القارة الأفريقية وحدها أكثر من 20 مرة منذ انتخابه رئيساً.

وتحدث في الخطب التي ألقاها هناك عن العلاقات التاريخية التي تربط تركيا بالسنغال، ويبدو لي هذا التعبير غريباً لأن تركيا ليست جارة للسنغال ولم تكن قوة استعمارية، بالرغم مما يضمره هذا الزعم الذي أطلقه أردوغان من إشارة خفيّة إلى فترة حكم الإمبراطورية العثمانية لبلدان شمال أفريقيا القريبة من السنغال، وهي الإمبراطورية التي يريد أردوغان عبثاً أن ينفخ الروح فيها، ويستعيد أمجادها من جديد.


أردوغان لا ينظر إلى تركيا في قرارة نفسه إلا باعتبارها قوة أساسية شرعية للتحكم في العالمين العربي والإسلامي كإرث من أيام الإمبراطورية العثمانية البائدة، وربما يشير حديثه عن الروابط التاريخية بين البلدين بوضوح إلى قرون من السيطرة العثمانية على المشاعر المقدسة للحجاز حتى حررها آل سعود عام 1925.


وليس من البراءة في شيء إثارة الخلاف حول الشرعية القيادية للإسلام السنّي، وخاصة عندما حاولت تركيا إثبات حضورها في ميناء «سواكن» العثماني القديم، الذي يقع على الشاطئ الشمالي الشرقي للسودان، وهي تحاول بذلك إعادة بناء المدينة المجاورة للميناء.

كان لمدينة «سواكن» دور مهم استمر لعدة قرون كبوابة العبور المهمة إلى جدة بالنسبة للحجاج الأفارقة الآتين من منطقة الساحل، ولقد باءت محاولة إحياء أمجادها بالفشل الذريع بسقوط حكم نظام عمر البشير الداعم للإخوان المسلمين.

وهناك ما يبرر للمرء أن يتساءل عن الخطوة المقبلة لأردوغان، وهل ستقوده رحلته الأفريقية إلى جمهوريتي مالي والنيجر الواقعتين تحت التهديد الخطير للفصائل الإرهابية المسلحة التابعة للميليشيات المتطرفة؟ كما لا بد أن نتذكر أن هذه الزيارة تتم في وقت ترسل فيه تركيا مقاتليها من السوريين لإنقاذ حكومة فايز السرّاج في ليبيا المحاصرة داخل طرابلس، والسبب الآخر الذي يدفع أردوغان لاستحضار الماضي الاستعماري يكمن في أن ليبيا كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى تعرضت للغزو الإيطالي عام 1912، وكانت تسيطر على ممرات القوافل التي تصل الساحل الأفريقي بالبحر الأبيض المتوسط.

وفي وقت يركز فيه العالم اهتمامه على الدور التركي في سوريا، يبدو وكأن أردوغان أراد أن يفتتح جبهة جديدة يتحدى من خلالها منافسي تركيا على القارة الأفريقية باستخدام راية الإسلام السنّي، والتلويح بالكثير من الفرص الاستثمارية لرجال التجارة والأعمال الأتراك.