الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

جرائم الثروة.. والأثرياء

أدين الممثل «متوسط الموهبة» رؤوف بطرس في قضية تهريب آثار من مصر إلى إيطاليا، وكانت الشرطة الإيطالية اشتبهت سنة 2017 في حاوية قادمة من ميناء الإسكندرية، وتبين أن بها آثاراً مصرية مهربة، وصدر الحكم القضائي الأسبوع الفائت بإدانته مع آخرين بالسجن 30 عاماً مع غرامة مالية قدرها 6 ملايين جنيه مصري، فضلاً عن مصادرة القطع المهربة.

رؤوف من أسرة أرستقراطية واسعة الثراء، أي أنه ليس فقيراً ولا هو بحاجة ماسة إلى المال، وهو بالمعنى المصري «ابن أصول» جده هو بطرس غالي، الذي كان وزيراً ثم رئيساً لوزراء مصر، وعمه كان وزيراً زمن الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، فضلاً عن أنه كان أحد المقربين من دائرة صنع القرار زمن عبدالناصر، وأقصد د. بطرس غالي الذي صار أميناً عاماً للأمم المتحدة، وعمه الآخر «ميريت بطرس غالي» أحد رواد جماعة النهضة زمن الملك فاروق، وأحد أبرز الأصوات التي حذرت من سوء الأوضاع الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية، والذي طالب بتحديد الملكية الزراعية، أما شقيقه فهو يوسف بطرس غالي وزير المالية في حكومة د. أحمد نظيف.

لا يعنينا كثيراً أمر رؤوف وإدانته، ولكن هذه الجريمة تفرض على كثيرين في مصر والعالم العربي أن يراجعوا أنفسهم؛ أولئك الذين يتصورون الانحراف والجريمة والضعف الأخلاقي وليد الفقر ولا يقع فيه إلا الفقراء، فحين يطل علينا الإرهابيون يصرخ هؤلاء: إنه الفقر وإنهم الفقراء؛ وإذا ازدادت معدلات الفساد يصرخون: إنه بسبب ضعف الرواتب والدخل المادي، ولو انتشرت الجرائم العادية يقولون لنا: ذلك بسبب الجوع والفقر.


وطبقاً لهذا التصور فإن الأثرياء مُحصنون ضد الضعف والفساد والسرقة، فرؤوف بطرس ليس حالة استثنائية ولا هو نموذج نادر، بل الأمر متكرر، بل يمكن القول: إن هناك نوعية من الجرائم مرتبطة بالثروة والأثرياء.


في سنة 2005 ضم د. أحمد نظيف إلى حكومته عدداً من رجال الأعمال والأثرياء، وكنت واحداً من الذين تساءلوا في قلق عن سر هذا التحول في اختيار الوزراء، فَرَد المتحمسون بأن رئيس الوزراء اختار أناساً «شبعانين»، أي لن يمدوا أيديهم للمال العام ولن ينتظروا راتب الحكومة ولن ولن.. لكن بعد ذلك تبيّن أن معظمهم كانوا الأكثر نهباً للمال العام.

إن الجريمة والفساد حالة إنسانية، فردية، تصيب الإنسان لضعف في شخصيته وتكوينه النفسي وتربيته، فضلاً عن ثقافته العامة بغض النظر عن أصوله الاجتماعية وحالته الاقتصادية.