السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

بيروسترويكا عالمية

يبدو أن التغيير العالمي الجذري والحقيقي بدأ منذ فترة قصيرة كحالة ملموسة، فالتغييرات، على ما يبدو، هي مثل الزحزحة القارية، لا يمكن تلمس حركتها لكنها ضخمة، ضخمة جداً بحيث إنها استغرقت 30 عاماً من العنف والفوضى والتحولات والتكتلات والتحالفات لتنتهي إلى ما نحن عليه اليوم.

خرجت شرق أوروبا من خلف الستار الحديدي هشَّة، تحاول الانكفاء قدر الإمكان على قومياتها المحلية وهوياتها الوطنية لتخلق درع دفاع يحميها وتنطلق منه، ووجدت نفسها أمام خيار وحيد يتمثل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ضمن متطلبات وشروط اقتصادية تعجيزية.

فكان ما كان من انضمام وضم لاتحاد تسيطر عليه ألمانيا وفرنسا بالدرجة الأولى، وهذا تطلّب أيضاً الخضوع لشروط رأس المال الذي تمثله الشركات الكبرى، فمثلاً وليس حصراً أغلقت المجر وتشيك معاملهما الكبيرة والثقيلة لصناعة القاطرات والحافلات الكبيرة لصالح شركات مثل فولفو ومرسيدس؛ وخضعت الحقول الخصبة الزراعية في وسط وشرق أوروبا لقوانين سوق الاتحاد، التي فضلت إنتاج الدول الأقوى فيها.


العامل والفلاح، اللذان كانا لا يجدان قوت يومهما خلف الستار الحديدي، وجدا أنفسهما عاريين تماماً أيضاً أمام الستار الممزق، والفقر هو ذاته لكن بلغة مختلفة ومنمقة.


دولة الرفاه الاجتماعي مثل الدول الاسكندنافية والبينولوكس، وصلتها الهزات الارتدادية للزلزال العالمي العظيم، فانتهت بعد انهيار عام 2008 الاقتصادي إلى مأزق صار فيه الاستمرار بنفس الآليات صعباً ومستحيلاً.

الأخطر، أن النقابات، تلك المؤسسات التي كانت تقود المهن وأصحابها لتنظيم شؤونهم، اصطدمت بثورة تكنولوجيا المعلومات، فقد تغيرت وسائل الإنتاج لتحل محلها ثورة رقمية لم تعد فيها ملكية لوسيلة الإنتاج، وهذا ما جعلها عاجزة تترقب بصدمة ما يحدث في شوارع باريس، حين ارتدى «أطفال التسعينات» سترات صفراء موجودة في الصندوق الخلفي لكل سيارة أو دراجة هوائية، وخرجوا إلى الشارع ضمن تواصل رقمي قفز فوق النقابات والاتحادات والمنظمات جميعها! كان إنزالاً باراشوتياً من سماء الثورة الرقمية.

وصل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب شارع بنسلفانيا في واشنطن، حيث البيت الأبيض، محمولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فضاء رقمي جعله يتجنب سيطرة وسائل الإعلام التقليدية، وفي خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة ندد ترامب بالعولمة، ونادى بالسيادة الوطنية.

لقي نداؤه صداه عند فكتور أوربان، رئيس وزراء المجر القوي واليميني، والذي تحاول مؤسسات الاتحاد الأوروبي يائسة أن تعاقبه وتحاصره.. إن العالم يتشكل من جديد الآن!