السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

كورونا.. والسياسة

في عام 1347، ضرب الطاعون أوروبا والشرق الأوسط لـ5 سنوات، مخلفاً وراءه أكثر من 23 مليون من الهالكين، وقتئذ لجأت الدولة في أوروبا إلى اعتماد إجراء «الحجر الصحي» بعزل المصابين واعتبارهم خطراً على الأمن الإنساني وانتظام المجتمع.

تحدّث الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في دروسه الأخيرة في «كوليج دو فرانس» عن وباء تلك الفترة وإجراء الحجر بقوله: «إنه ليس حجراً صحياً بمعنى (الحقيقة)، وإنّما له صلة بالخوف من كل ما يهدد مركّب السلطة وسلامة استمرار الدولة».

إن قراءة الوثائق التاريخية التي تحكي عن كيفية الحجر آنذاك، تُظهر أنها كانت عملية لا إنسانية، انزاحت إلى فعل النبذ والمحو الاجتماعي، رافقتها إجراءات تعنيفية وجزرية تشبه وقتها طريقة التعامل مع المرضى العقليين الذين كانوا يقيدون بسلاسل حديدية مؤذية.


وهنا، يصدق استنتاج فوكو لما نرى في كيفية تعامل سلطات مدينة «يوهان» الصينية مع مواطنيها المصابين بفيروس كورونا، إذ تمَّ حجزهم بطرق مذلة للكرامة الإنسانية كسحب المرضى من أرجلهم، كما يصدق قوله عندما نفحص ما حدث في إيران التي أحاطت مشكلة تفشي الوباء فيها بتكتم ديكتاتوري وطمس إعلامي منكر داخلياً وخارجياً، لأنها ربطت واقعة الوباء بواقع السلطة «الدينوقراطية» التي تجعل من ولاية الفقيه وبركته زماناً لا مجال فيه للنوائب والجوائح باعتبارها غضباً من الله.


لذلك، لم تكترث في البداية بخطورة الفيروس الذي تسبب في هلاك بعض الناس في الشوارع ولجأت إلى عمليات حجر سري تعتيماً على الحقيقة كما هي عادتها، حتى لا يتم التشكيك في العطف الإلهي مع دولتها الدينية.

سياسياً، تشترك الصين وإيران معاً مع وجود الفارق في كونهما نظامين ديكتاتوريين يجعلان من السلطة أداة لحماية «الدولة العليا»، المتعالية عن حقوق الأفراد وكرامتهم، لذلك ففعل العدوى الذي يحمله فيروس كورونا يقابله الاختراق والتجاوز لانسجام السلطة مع أهدافها المتمثلة في التحكُّم الشامل في إرادات الأفراد عبر نظامها الأمني الذي وضعته سلفاً، وكل بادرة لاختراق هذا النظام في الأنظمة الثيوقراطية تعالج بالنبذ والاحتجاز لتجنيب السلطة فقدان قوتها في خلق التوازن الذي ترتضيه نفسها بين الأفراد والدولة.

إن علاقة السياسة بالفيروسات منطق تحدده الرهانات الكبرى للسلطة في التحكم، تجليه عمليات الحرب الجرثومية القائمة على صنع أسلحة بيولوجية ابتداء من 1934 في بريطانيا، بالرغم من اتفاق الدول الكبرى في جنيف 1925 على منع تصنيع الأسلحة البكتيرية، مروراً بالحرب الثانية التي برع هتلر في استخدامها إلى مرحلة التفنن في تجديد صناعتها من طرف أمريكا.

ألا يُعتبر فيروس كورونا في سياق الاشتباك السياسي الكبير الذي تمثله الحرب التجارية الكبرى الدائرة ما بين الصين وأمريكا، بكتيريا سياسية ـ بيولوجية من صنع أمريكا؟