الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

منصات للكراهية والذباب الإلكتروني

لكل شيء من اسمه نصيب، إلا مواقع التواصل الاجتماعي فقد تحولت كما يبدو إلى منصات لنشر الكراهية وبث الشائعات وتسميم العلاقات الإنسانية بين الدول والشعوب والأفراد، نتيجة لانتقال عدوى الصراعات السياسية والتجاذبات المذهبية إلى مواقع كانت مصممة خصيصا للتواصل الإنساني ولتقريب المسافات وجعل الأرض قرية كونية واحدة لكن ما يحدث هو العكس تماما.

تسللت الكثير من الأجندات السياسية والنزاعات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت العديد من المواقع مثل حلبات المنازلة تتبادل فيها الشتائم وتزول منها أي حدود للتعامل الأخلاقي في ظل غياب الوازع الشخصي وانتفاء الرقابة الذاتية أو الخارجية، وتحول ضوابط النشر في العديد من المنصات إلى مجرد قوالب فارغة من مضامينها.

في الآونة الأخيرة بدأت أهم منصتين للتواصل الاجتماعي فيسبوك و‏تويتر بالانتباه لخطورة غض الطرف عن حالة الهستيريا تلك، فتم إيقاف آلاف الحسابات الوهمية بعد أن ظهر أنها تدار من قبل عصابات إلكترونية منظمة تتبنى حملات إعلامية مدفوعة تتعارض مع سياسة تويتر وفيسبوك بهدف جمع المال ولصالح أجندات مشبوهة، لم تكتف بتحويل منصاتها الإعلامية إلى وسائل للتضليل والكذب وإثارة الفتنة.


بدأت فعلا مواقع التواصل الاجتماعي تتخذ إجراءات صارمة لمنع تحول منصاتها إلى مستنقعات لنشر ثقافة الكراهية، ونشر الشائعات ولكن تلك الخطوات ليست كافية ولا تتناسب مع حجم المشكلة.


فبعد التدهور الحاد في وظيفة مواقع التواصل الاجتماعي بات من الملح أن تسارع الشركات البارزة في هذا المجال والتي تستقطب المليارات من المستخدمين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دور مفترض لهذه المنصات، التي أصبحت مرتعا خصبا للأجندات المشبوهة والحسابات السوداء التي تضخ القبح بلا كلل أو ملل، حتى باتت هذه المهمة تجتذب الكثير من الشركات حول العالم التي تحمل على عاتقها تنظيم حملات الدعاية والتضليل ضد الدول والأشخاص والمعتقدات مقابل المال.

في مواقع التواصل الاجتماعي يصبح الفرد جزءً من مجموعة أكبر، ويشبه الأمر انضمامه لقاعة كبيرة تكتظ بالأشخاص من كل دولة وقومية ومذهب، وهو ما يفرض عليه في الحالات الطبيعة أن يكون صاحب سلوك منضبط يحترم المجتمع المحيط به، لكن ما تفعله منصات التواصل هي أنها تسمح للمتسللين بارتداء الأقنعة واخفاء هوياتهم الحقيقة خلف أسماء وصور مستعارة، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية فيما بات يعرف بسلوك «الذباب الإلكتروني» الذي ينقل التلوث الأخلاقي عبر الشبكة العنكبوتية من دون أن يقع في شباكها.