الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

سد النهضة.. الثبات والحيرة واللامبالاة

الماء: المركب الذي يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، هو أغلى مركب يتعامل معه الإنسان في حياته اليومية، وسيظل من أهم الموارد الطبيعية، لأنه عصب الحياة وعمودها الفقري، ومن دونه لا يمكن لكائن حي أن يعيش، ولا يمكن لأغلب الآلات أن تعمل، وإن شحَّ، تتأزم كل الفعاليات الإنسانية، الاجتماعية منها والاقتصادية، والأنشطة البشرية الأخرى، فهو ضروري في المعيشة اليومية من مأكل ومشرب ونظافة، وهو الآن المكافح الأول لفيروس كورونا الفتاك.

وإنه مصير استراتيجي مشترك بين السودان ومصر وإثيوبيا، ولن تستطيع أيٌّ من هذه الدول الخروج أو التخلي عن أي شكل من أشكال التعاون بشأنه، وأي تحرك ليس في اتجاه التعاون بموضوعه، سيكون نقمة على شعوب الدول الثلاث، التي وُصفت به عبر التاريخ، فإثيوبيا (الحبشة) وصفت بأم عيون النيل، والسودان بأرض ملوك النيل، ومصر هبة النيل.

وفي هذا السياق، يطل علينا في التاريخ الإثيوبي، أن الملك «لاليبيلا» في العصور الوسطى، والذي أراد بناء سد في موقع سد النهضة، قبل تاريخ طويل من معرفة الأهمية الاقتصادية للسدود، في عهد لم تتوفر فيه التقنيات الحديثة التى تساعد على الحفر والإنشاء، فأراد ذلك بغرض بناء تلك الكنائس الضخمة والمحفورة تحت الأرض بطول الأهرامات في منطقة لالبيلا حالياً، وأُشيع أن هذه الكنائس بناها بمساعدة (الجن) لاستحالة البناء في ذلك الزمن، من دون استخدام أي مادة للبناء.


ومما سبق، وبالتعريج على حروب المياه التي طالما جرت الإشارة باقترابها، وفقاً لدراسات خبراء في مراكز بحوث دولية موثوقة، تقرع الأبواب، وتهدد مئات الملايين من البشر في الشرق الأوسط، بالعطش والجفاف والتصحر، وتشكل تهديداً بيئياً، قد لا يكون مسبوقاً منذ وجود الأرض والبشرية، وقد يُفضي إلى القضاء التام على بقايا الحضارات النهرية، ومنها حضارة وادي النيل.


وهنا السؤال: مع الظهور المباغت لفيروس كورونا، أليس من الحكمة أن تمارس أم عيون النيل دورها (كرؤوم)؟ وأن يؤدي ملوك النيل دورهم (كنبلاء)؟ وأن تؤدي هبة النيل مهمتها كواهبة (السلام والحكمة)، ولا أن تستمرأ الترويج لفكرة أنها مهددة بشريانها الحيوي؟

هناك إشكالية مشتركة للدول الثلاث في الأداء في موضوع سد النهضة، فالأداء المصري يبدو حائراً ومرتبكاً، فيما الموقف السوداني (متأرجح ثابت)، أما أديس أبابا، فظاهرياً تبدو غير مكترثة بكل المواقف والمصالح، ولكنها واضحة في احترام الاتفاقات، فهل نتوقع أن يلتقي الثلاثي على ضفاف النيل، في حوار محبة، وأشقاء من دون وسطاء في زمن الكورونا؟